قبل أحد عشر عامًا طرحت شركة الاتِّصالات السعوديَّة المشغل الوحيد لخدمات القطاع في حينها للاكتتاب العام، الذي حقق نجاحًا كبيرًا رغم ضخامته، إِذْ استقطب 10.2 مليار ريال من مدخرات المواطنين وفق الحصة التي طرحت لهم والبالغة 20 بالمئة من رأس مال الشركة بعدد 60 مليون سهم حيث كانت القيمة الاسمية بوقتها خمسين ريالاً أيّ ما يعادل 300 مليون سهم حسب القيمة الاسمية حاليًّا عند عشرة ريالات وقد رأى الكثير من الاقتصاديين أن طرح الشركة كان سببًا لجذب مئات الآلاف من المواطنين للاستثمار في السوق المالي الذي عاش بعدها فترة ذهبية استمرت إلى العام 2006م أيّ قرابة ثلاثة أعوام، وأهمية طرح شركة مثل الاتِّصالات تكمن في القيمة الاستثمارية بشركة ذات عائد قوي انفقت الدَّولة مبالغ طائلة للاستثمار بالقطاع من خلالها مما وسع من حجمها وأرباحها بشكل كبير فكانت تمثِّل فرصة مهمة لجذب الاستثمارات الفردية والمؤسسية للسوق المالي وتوالى بعدها الاهتمام بالفرص الموجودة بالسوق إلى أن تحوَّل السوق إلى فقاعة سعرية بسبب ضخامة حجم الأموال المُتدفِّقة ومحدودية الفرص التي تقابلها بالسوق المالي وعند انهيار السوق كان قد وصل عدد المحافظ الاستثمارية إلى أربعة ملايين محفظة تقريبًا مرتفعة من أقل من مائة ألف محفظة قبل الاكتتاب بشركة الاتِّصالات السعوديَّة ولم يرتفع بعدها عدد الشركات المدرجة كثيرًا فعند تاريخ الانهيار كان عدد الشركات يقارب 75 شركة فقط تطاردها مئات المليارات إلا أنّه وفي الفترة التالية للتصحيح الكبير منذ ثمانية أعوام تخطى عدد الشركات المدرجة 160 شركة أيّ أن الاكتتابات تضاعفت التي لم تكن كلّّها بمستوى أهمية الاستثمار بالسوق المالي فافلس بعضها أو وصل لحافة الإفلاس وتشكلت فقاعات ببعض الشركات ولم تستقر السوق الماليَّة إلا من فترة لا تتعدى ثلاثة أعوام من تاريخنا الحالي وقبل أيام قليلة أعلن عن النيّة لطرح 15 بالمئة من رأس مال البنك الأهلي التجاري للاكتتاب العام ستخصص للأفراد في أواخر العام الحالي التي تمثِّل 300 مليون سهم فيما سيخصص 10 بالمئة لمؤسسة التقاعد ليكون إجمالي الطَّرح 25 بالمئة من رأس المال، فالبنك مملوك للذراع الاستثماري الحكومي صندوق الاستثمارات العامَّة بنسبة 69 بالمئة ويُعدُّ أكبر بنك في المملكة، بل إنّه من أكبر بنوك الشرق الأوسط نسبة لحجم أصوله والودائع فيه التي تصل إلى 300 مليار ريال ويستحوذ على قرابة 20 بالمئة من حجم قروض القطاع المصرفي ولديه استثمارات ببنوك خارجية في تركيا وكذلك شركات ماليَّة داخل المملكة وحجم أرباحه قارب 8 مليارات ريال العام الماضي وقام برفع رأس ماله مؤخرًا إلى 20 مليار ريال من 15 مليار ريال بأسهم منحة ولا يمكن تحديد سعر الاكتتاب حاليًّا أو التوقع له لكن من خلال المعطيات السابقة للشركات القائمة التي أدرجت يتضح أن سعر الاكتتاب يقارب مكرر عشر مرات منربح السهم أيّ أن السعر المتوقع سيكون بحدود 40 إلى 45 ريالاً بناء على ربح 4 ريالات تقريبًا للسهم في العام الماضي وقد يتغيّر السعر عن هذا المعدل وفقًا للربح الذي سيتحقق العام الحالي فيما لو تَمَّ أخذه بالحسبان كون تاريخ الاكتتاب سيكون نهاية هذا العام. لكن أهمية طرح البنك الأهلي للاكتتاب العام لا تقل عن اكتتاب الاتِّصالات السعوديَّة فهو سيجذب سيولة كبيرة ستفوق العشرة مليارات ريال وسيوسع الفرص الاستثمارية بالسوق وبالقطاع المالي تحديدًا كونه البنك الوحيد غير المدرج حاليًّا بالرغم من أنّه من أقدمها وأكبرها حجمًا ونجاح الاكتتاب به سيغري شركات كبيرة لطرح أسهمها للاكتتاب خصوصًا التي تملكها الحكومة أو المعروفة بعراقتها وقدمها ونجاحها بالاقتصاد المحلي بمجمل القطاعات فيه مما سيرفع من جاذبية السوق المالي وسيعيد البريق له مجدَّدًا لكن بفرص واستثمارات ومنتجات أوسع لتقليل المخاطر ورفع الجاذبية الاستثمارية وإعادة التوازن للقنوات الاستثمارية القليلة نسبيًّا بالاقتصاد المحلي والمتركزة بشكل أساسي بين السوق المالي والقطاع العقاري. إلا أن ما يفترض الانتباه له في حال توقع جذب المزيد من الأموال للسوق المالي هو معالجة الإشكاليات التي مازالت تعتريه حيث توضع كل الشركات صغيرها وكبيرها الناجحة منها والفاشلة في سوق واحد فمن الأفضل البدء بالعمل على تقسيم السوق لسوقين إما بحسب أحجام الشركات من حيث رأس المال أو من حيث نسبة الخسارة من رأس المال مع إعطاء مزايا خاصة بكلِّ سوق لتوزيع الاستثمارات بما يقلل من مخاطر المضاربات ويجذب السيولة الاستثمارية بالإضافة لمعالجة الخلل الذي يقلل من تأثير الاستثمار المؤسسي وإصدار نظام صانع السوق كما معمول به بأغلب الأسواق العالميَّة مع إضافة أدوات ماليَّة تساعد على استقرار حركة السوق وأسعار الأسهم مع أهمية تنويع مصادر السيولة والمستثمرين بالسوق كالسماح للمستثمرين الأجانب من الخارج للتعامل بالسوق الماليَّة وأهمية تفعيل وتنشيط سوق الصكوك ليكون رافدًا قويًّا للاستثمار بالسوق المالي بالإضافة لطرح المزيد من الشركات المهمة وذات العائد الجيد والملاءة الماليَّة الكبيرة ويفضّل بأن تكون من الشركات الحكوميَّة أو شبه الحكوميَّة الناجحة أو المرتبطة بقطاعات حيويَّة رئيسة بالاقتصاد. ما بين الاكتتابين الكبيرين الاتِّصالات السعوديَّة والبنك الأهلي مرحلة زمنية مهمة كانت بتاريخ السوق المالي وظهرت خلالها عيوب هيكلية وتنظيمية عملت هيئة السوق على معالجتها إلا أن المرحلة القادمة تحمل أهمية كبيرة لمنع تكرار الفقاعة السابقة التي أضرت بالمستثمرين والسوق ولا بُدَّ من الاستعداد الجيد حتَّى تبقى السوق فرصة لجذب مدخرات الأفراد وانعكاس استثماراتهم على مداخيلهم بما يأملونه منه وإلا فإنَّ الفقاعة ستتكرر مجدَّدًا وقد تكون بحجم أضخم من السابق.