مدخل : يقول الفيلسوف الفرنسي برغسون: (ما من أحد كالشاعر يحس بالزمن). بعد أن تم إلقاء الضوء على شعرية المكان في الرؤية الماضية ومدى تأثيره وتأثره بتجربة الشعراء والشاعرات، سنحاول في هذا العدد أن نجمع بعضا من الحزم الضوئية المتناثرة شعريا من هنا وهناك عبر مساحات الزمن. من المعروف أننا لا نستطيع فصل المكان عن الزمان والعكس صحيح ولا يمكننا إدراك قيمة الزمن إلا بإدراكنا علاقته بالمكان، حيث تتمظهر القيمة الفنية والدلالية كأدوات مهمة في تشكيل الصورة الشعرية. ويعتبر الحضور الزمني في نصوص الأمير بدر بن عبد المحسن ذا أهمية قصوى، حيث إنه ثيمة رئيسة في أحداث النص وسياقاته، متعدياً الزمن الميقاتي ليكسر من خلاله حدود الزمن النفسي وما يندلق فيه من تيار الوعي واللاوعي معتمدا في بنائه النصي على إشارات زمنية لها اتصال روحي بعالمه الداخلي، محققا بها بنية النص الزمانية الشعرية ومحلقا عن بنيته الزمانية الموضوعية، مثلما في قوله: ما أقول ضاع العمر عندك حسافه انت الدقايق عشتها وانت الأعوام ودي ربيع العمر يسبق جفافه يا مسقي العطشان من كاس الأوهام فنجد أن هذه الإشارات الزمنية (الدقايق / الأعوام / ربيع العمر) استخدمها ليثبت قيمة الزمان من خلال سياق شعري مليء بالدلالات والرؤى، ووعيه التام بحمولته المرجعية الزمانية. أما الأمير خالد الفيصل فإنه يفتح لنا أفقا فكريا وتأمليا للتعامل مع قيمة الزمن نفسيا وحسيا كما في قوله: إلى صفالك زمانك علّ يا ظامي اشرب قبل لا يحوس الطين صافيها الوقت لو زان لك يا صاح ما دامي يا سرع ما تعترض دربك بلاويها ونجد أن انثيالات الزمن عند الشاعر مشعل الفوازي حلمية التركيب رؤية ورؤيا، حيث استطاع توظيف تقنية الزمان لتخدم النص وجدانيا وحسيا، ومتأثرا بالطبيعة من حوله في أثرى الصورة الزمانية: مابين هم الغروب وفرحة إشراقه رهنت حلم العمر ياتي ولا ياتي مادري بقى متسع للحلم وآفاقه والا يخون الزمان الصعب نياتي أما الشاعرة أشجان العبد الله «أغراب» تربط التشكيل الشعري والمكاني والزماني في نسيج واحد، في محاولة للوقوف في وجه الزمن من جهة، وبناء حضورها الشعري من جهة أخرى وكمعادل ذاتي ووجودي، حيث أصبحت تقنية الزمان نافذة لبوحها تطل من خلها على روحها حيث تقول: يا جرح لا تكبر ترى اثيابك أجداد توّك طري ّ العود والعمر بدري يا جرح حتى الموت لفناك ما فاد وانا عزاي ان مت يرتاح صدري أما الشاعر عمر المسفر فيشكل الزمن في نصوصه عنصرا هاما، حيث نجد أن النص التراجيدي له حضور خاص متكئ على الزمان والطبيعة في إيصال الصورة الفنية وتكوينها وكما قال لامارتين: (أن أبدع الأغاني ماتسربل بالأسى) يا ممطره جيبي معاك الغيم في صدري جراد يا هو نفض كل أخضر أف صدري وذبلت سوسنه أنتِ بريئة من زمان الوصل لكنّ الوكاد أنك تفاقمتي ب روحي لين ضاقت أمكنه أما الشاعر فايز الزعل فقد جعل من العين زمنا حسيا والمكان نفسيا، حيث جعل من الزمكانية ثيمة فنية يبني عليها فكرته ويمتح منها دلالاته ويحلق بأجنحة أحلامه عبر فضاء واسع شاسع: الزمان عيونك اللي هدتني منزله والمكان يغور لما أشوفك تزعلين كنت اجهل ويش يعنى غرام ومن هله لين صرت أستاذ عشقٍ لكل الحالمين أما الشاعر عبد الله العويمر فنجده يتكئ على الزمان لاجتراح علاقات جديدة تعكس مدى حضور الزمن الشعري بشكل كبير في تجربته، فنجده في هذا النص الذي جعل من الزمكانية أرضية معشوشبة بالعاطفة ومنتشية بالحلم: حزين الصبح والساحل تنهّد عادته مسرور وش اللي صار للساحل تسابق للحزن خيله ذهولي دهشتي غابت صباحات الأمل والنور إذا هذا الصباح، الله يستر وش هي الليله أما الشاعر مسفر الدوسري يأتي الزمن الشعري عنده كإشارات مضيئة بين الماضي والحاضر وبين الحضور والغياب كمتخيل زمكاني للهروب من وإلى الذات، متكئا على تقينة الفلاش باك في إنتاج الدلالة الفنية وتشكيل عالمه الوجداني الخاص به: قلت للأماني اليابسة.. في سدرة أيامي... تعيش. قبل لا انت تمطرين وزينتها من حلوى عيد الذكريات ولبستها ثوب من شذى أما الشاعر محمد الذرعي فإن بنية الزمن الشعرية في نصوصه تزيد من تماسك النص فنيا وحسيا حيث يأخذ الزمن عنده بؤرة مركزية لأغلب نصوصه، مازجا الزماني بالمكاني والحسي بالمعنوي كما في هذا الحضور: اتفقنا نقتسم فرح وشقا وحلت الفرقا ولا خان التفاق شافني لوحت له يوم اللقا ورد لي تلويحتي يوم الفراق أما الشاعرة عبير بنت أحمد فهي تتعدى مهية الزمن الميتافيزيقية، لتؤثث لها زمنا وجدانيا خاص بها تحلق في فضاءاته شعراً وشعوراً: جلست البارحة والفكْر حالف ما يجيني نوم أبي أكتب قصيده .. بس وين ألقى اللي تشبهلك؟ ومن باب المسا طلّت عيونك .. حفلتين ْا نجوم وشفت مراية ٍ وسْط السما في وسْطها مثلك أما الشاعرة رزان العتيبي تجعل من الذاكرة الزمنية مطرا وجدانيا يعشوشب بالحنين وكما يقول هيدجر (في البدء لم يكن لفظ ذاكرة ليعني القدرة على إحياء الذكرى واسترجاع الماضي إن ذلك اللفظ يحيل إلى النفس بكاملها كاستيعاب باطني دائم لكل ما يخاطب الإحساس بكامله)، فنجدها في هذا النص تستحضر الزمن الشعري الوجداني للاقتراب من عالمها الداخلي: صبح الشتا ما يشبه الا احتضاري بارد ثقيل وكل ما فيه مبكي أتذكرك يمطر سحاب احتضاري وينك نسيت شلون بعدك أنا احكي أما الشاعرة: ذروة شعر فنجد أن تقنية الزمان تكسب النص بعداً وجدانياً وفنياً مؤثراً ومثمراً على مستوى البناء والتركيب لإيصال الحالة الحسية والنفسية عبر بوابة الحضور والغياب والمتمثلة في الزمن كمصدر من مصادر توليد الصورة ونموها: صرت الشوف الشمس من تشرق قصيدة من كثر ما تشبهك باسمك تذيل عاد لو صارت مواعيدك بعيده كل صبح ينتظر طلتك ليل ويمثل الزمن في تجربة الشاعرة مها التركي وعيا شعريا عميقا، بحيث تتحرر من سلطة الزمن الخارجي، لسلطنة الزمن الداخلي، مؤسسة لها رؤيتها الزمنية الخاصة بها: غفى بي بعدما اقبل لقاك وموعد كذاب ونادى في سماء نوحي قهر بعدك وأتعابك تذوب بصوتي المتعب ملامح وجهك الكذاب ويصحى بي الم يذبح حنين الصبر وابدابك وللشاعرة سارة العتيق حضور زمني تراجيدي من خلال وعي في استثمار تقنية الزمن: بث الحنين من أول الضي.. للطير يمكن يجيك من الصباحات.. هاوي ماعاد فينا يا اعظم الصمت تعبير هز الحكي دمع تغشى الرجاوي أما الشاعر ناصر بن حسين فهو متمكن من أدواته الزمانية وقدرته في تنويع وتوزيع إشاراته الدلالية في مساحات فلسفية واعية : عَبَثْ وَاللّيل يَنسِجّ مِن تِباريح السهر تَعبِير وأنا مَاكِنيّ إلاّ سَطرْ فَاضِيّ و إنتَه القِرطاس خذاني طِيفِك البَارِح على حِلمٍ بلاَ تَفسِير بِقَت بعض السوالِف و الِعيون بِحضنَه إجِلاّس مما سبق أن تقنية الزمان تشكل عنصرا هاما في تشكيل الصورة الشعرية وإنتاج الدلالة لدى الشعراء والشاعرات كما أن الزمن الوجداني والنفسي هو البؤرة الفنية التي تنطلق منها وإليها رؤاهم في تكوين النص وتحميل الرمز والإيحاء إلى أبعد حالاته وإيحالاته واحتمالاته. كما أننا لا نستطيع فصل المكان عن الزمان ولا يمكننا إدراك قيمة الزمن إلا بإدراكنا علاقته بالمكان حيث تتمظهر القيمة الفنية والدلالية الإيحائية كأدوات مهمة في بناء النص. كما نجد أن بنية الزمن تزيد من تماسك النص فنيا وحسيا في نصوص الشعراء والشاعرات.