ما زالت مسألة مغالاة المهور الهاجس الذي يؤرق الشاب والفتاة، وإن اختلفت الأسباب والمسوغات التي تجبر الأسر على تلك المغالاة. وتظل العادات الاجتماعية والتقاليد القبلية أحد أبرز هذه الأسباب التي تستدعي من المختصين الوقوف عليها وتحليلها بمبادرة من أصحاب الشأن. وفي التحقيق الآتي تتعرض الجزيرة لواحدة من هذه الصور الاجتماعية، وتحديداً في محافظة محايل عسير، وتسلِّط الضوء على بعض العادات والتقاليد التي ربما تكون أحد أسباب عزوف بعض الأسر، وخصوصاً الفقيرة منها، عن تزويج أبنائها، وتطرح في الوقت نفسه الأمر على مختصين لتحديد الأسباب والدوافع والعلاج، وترصد المبادرات الاجتماعية التي تعكس الوعي الذي تعيشه وتخفف من وطأة التكاليف التي يتحملها العريس والعروس في بداية حياتهما الزوجية. وبحسب المعايشة، فإن طبيعة المجتمع المحايلي مكلفة، بما يُشعر ذوي العروسين بالحزن أكثر من الفرحة؛ لما في ذلك من مظاهر اجتماعية، امتزجت بالحداثة البعيدة كل البُعد عن البساطة والتكلف في التعبير عن الفرحة، مثل (الخية، ويقصد بها الصاحبة أو الصديقة المقربة للعروس وما تقدمه من هدايا ومبالغ مالية باسم [غمرة الخية]، وكذلك [غمرة السمية]، وهي صاحبة الاسم الذي تحمله العروس). وفي هذا الصدد تحدَّث محافظ محايل عسير محمد بن سبرة بأن القضية ليست في تحديد المهور، ولكن هناك تكاليف أخرى خلاف المهور، تتمثل في بعض العادات الدخيلة علينا، التي أرهقت المقدمين على الزواج. وأكد أن لهذه التكاليف دوراً في زيادة نسبة العنوسة في منطقة عسير عامة، وفي محافظة محايل بصفة خاصة، وقال: تصل هذه التكاليف المصاحبة للزواج إلى ما يزيد على مائتَيْ ألف ريال. وناشد محافظ محايل الجميع الحد من هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ للقضاء على العنوسة المتفشية، وتشجيع الشباب للإقدام على الزواج. أما الشيخ عبدالله بن عفتان رئيس اللجنة الاجتماعية بإمارة منطقة عسير فيوضح أن المهور في المنطقة حُدّدت بموجب اتفاقيات ورؤية أهل الحل والعقد بمبلغ أقصاه 45 ألف ريال فقط، ومنهم من يزيد عليها، ومنهم من يطلب أقل. واستشهد ابن عفتان بمثال لمبادرة اجتماعية قامت بها قبيلة النواشرة في القنفذة بتقييد تكاليف الزواج بما هو معقول ويتلاءم في النهاية مع الأمور المتعلقة بالأعراف المجتمعية. واستدرك بالقول: هي أمور ليست إجبارية، وليست ملزمة. وفي النهاية، فإن كل هذه المبادرات لا تعدو أن تكون اجتهادات فردية ومساهمة من أصحابها في التيسير على الشباب. من جهتها رأت الأستاذة صالحة الحسن زايد مديرة مكتب الدعوة والإرشاد في محافظة محايل أن القضية قضية اجتماعية، وأصبحت ظاهرة وسبباً مهماً في عزوف الشباب عن الزواج في المحافظة، وهو ما دعاهم للزواج من خارج المنطقة أو الزواج من غير السعوديات. وأكدت ضرورة تدخُّل الأب لما له من سلطة وقوامة، منحه الله إياها، وخصوصاً أن التكاليف المصاحبة للزواج تذهب في التحضيرات والتجهيزات التي تخرج عن كونها كرماً اجتماعياً يرتبط بطبيعة المجتمع المحايلي إلى تبذير. وأفادت بدور مكتب الدعوة والإرشاد في هذه الظاهرة من خلال إقامة محاضرات ومنشورات وعمل دورات تأهيلية. وعلى صعيد متصل وصفت إحدى التربويات تلك الظواهر بأنها ليست الوحيدة؛ فهناك (النقط)، وهي مشكلة أصبحت وسيلة من وسائل هدر المال والتبذير للمباهاة والمفاخرة. وفسّرت عادة النقط بالقول: ما إن تنشد الشاعرة بيتاً من الشعر إلا وانهالت عليها الأموال من كل حدب وصوب بصخب ومفاخرة؛ فتتحول السهرة لمهرجان ومزاد لمن تدفع ومن تزيد عليها. وقالت: هي تصرفات بدائية متخلفة بشدة للتعبير عن الفرحة والسعادة. وفي الحقيقة الهدف منها المتاجرة ليس إلا. واستطرقت لعادة (الخية) التي أصبحت تدفع الحد الأعلى من استطاعتها؛ لأنها تعلم أنه سيعود عليها أضعافاً مضاعفة؛ ما يؤكد أن المسألة أصبحت متاجرة. وأضافت: إن دور الرجل المحايلي غائب بشكل تام عن المشهد الاجتماعي في هذه الظاهرة، ولا يستطيع أن يسيطر على الوضع خوفاً من كلام الناس، وحتى لا يُنعت بالبخل، مع أنه يعلم أنها سلوكيات خاطئة، متجاهلين قول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم «من سَنّ في الإسلام سُنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن سَنّ في الإسلام سُنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً». واقترحت تدخُّل ولاة الأمر وشيوخ القبائل وأصحاب الرأي والمشورة في المحافظة للحد من هذه الظواهر. وعلَّق الأستاذ مسفر عبده مدير الحقوق الخاصة في محافظة محايل على ظاهرة الخيات والمبالغ الفلكية التي تصل إليها بأنها غير موجودة في قرية ترقش. وأضاف: «اجتمع شيوخ آل دريب في ترقش، وقرروا بالإجماع تحديد المهر بمبلغ 40 ألفاً، ومنهم من بادر بتخفيض المهر إلى 30، وبعضهم يزوِّج ب20 ألفاً فقط، ولا يعانون من ظاهرة (الخيات)، وإنما التزموا بكسوة (السمية)». والتقت الجزيرة عضوات مكتب تبصرة للدعوة والإرشاد بمحايل، اللاتي أكدن خلال حديثهن أن أهم نقطة لحل المشكلة تطبيق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»؛ لأن العنوسة أصبحت أقرب إلى الظاهرة. وتناولن ظاهرة العنصرية؛ إذ إن البنت في بعض القرى والهجر لا تتزوج إلا من قبيلتها؛ بسبب أن الفتاة في نظر أهلها جوهرة، لا تُقدّر بثمن، ولكن ذلك ليس على حساب الشاب، ومخافة من مقولة «أخذتك برخيص». وأشارت عضوات تبصرة إلى أن المهر حقٌّ شرعي للمرأة، وليس الهدف المبالغة فيه، فلو كانت المهور مكرمة وتقوى عند الله لكان أولانا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أمهر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فاطمة الزهراء درع حطيمة، وكانت قيمتها أربعمائة درهم. ووجَّهت المهتمة بالعمل الاجتماعي الأستاذة عائشة سليمان الشهري نداءها لكل من يهمه مصلحة شباب هذا الوطن بالمناصحة، مشيرة لغياب دور شيوخ القبائل في القضايا الاجتماعية المحلية. وقالت: يجب على شيوخ القبائل ألا يكون دورهم وجاهياً فقط، بل عليهم الاهتمام بقضايا الشباب الذين هم عماد الوطن. وأضافت بأنها خاطبت شيوخ القبائل بخطابات، تم إيصالها لهم لوضع حد للمغالاة في المهور وتكاليف الزواج، ولكن لم تجد خطاباتها صدى؛ ما حدا بها لكتابة خطاب لصاحب السمو الملكي أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد - حفظه الله - ووقعت على عريضته عدد من نساء محافظة مجاردة، يناشدن سموه التدخل في الأمر والاجتماع بالشيوخ لمناقشة هذه القضية التي أصبحت ظاهرة، ذاكرة في خطابها الكثير من التجاوزات التي تحدث في الأعراس بالمجاردة. من جهتها أبانت الأستاذة أم إبراهيم مديرة مكتب الدعوة النسائي بخميس البحر أن تدخُّل القبيلة والجهات الرسمية بات ضرورياً؛ إذ كيف يتزوج الشاب وهو ملزم بثلاث حفلات تعصف بميزانيته؟! فيجب أن يتدخل كل من له ولاية على قومه في هذا الشأن، مؤكدة ضرورة إقامة دورات تثقيفية. وذكر الشيخ فيصل بن محمد آل مخالد رئيس المجلس البدي بمحافظة محايل عضو اللجنة الفرعية للمساجد والدعوة والإرشاد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجّهنا وحثنا على اليسر والتيسير، فقال صلى الله عليه وسلم «يسروا ولا تعسروا»، وقال في الزواج «أبركهن أيسرهن مهراً». وقال: من هذا المنطلق، فإن هذه القضية قضية اجتماعية خطيرة، تهدد الحياة الزوجية، وتقوض بنيانها، ويجب أن يشترك في إيجاد الحلول الطرفان (الرجال والنساء) من حملة العلم والثقافة والفكر ومن يهمه الأمر من شيوخ ونواب وأعيان ووجهاء القبائل وأئمة وخطباء المساجد والدعاة والمعلمين والمعلمات.. كل فيما يخصه؛ إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «من لا يهتم لأمر المسلمين فليس منهم». وأشار فضيلته إلى ضرورة أن تنشأ جمعية خيرية للإصلاح الاجتماعي من الرجال والنساء ومن ذوي العلم والثقافة، تهتم بمثل هذه القضايا المعاصرة، وتوجِد لها الحلول المناسبة.