على جادة الطريق وجدتْ لها مقعداً تحمل معها مجموعةً من المناديل تبيعها ببخسٍ من الريالات.. جلستْ وهي ملتفةٌ بعباءتها السوداء ولا أظن أنها سوداء.. حينما يخالطها الكثير من التراب وهي تسيرُ على الأقدام من منزلها إلى ذاك المقعد الذي اعتادت الجلوس فيه.. قد أنحنى ظهرها والكثير من الهموم على عاتقها، محملةً بالهم والعجزْ قبل أن تكون محملة بغبار الطريق الذي أصابها بمرض الربو.. لم تتألم من أوجاعها بقدر ألم همومها.. هناك أطفالٌ يتأملون أكلاً شهياً ولباساً جميلاً وقليلاً من تلك المسليات التي يقطعون بها الوقت الذي يرهقهم في ألم العيش. لا تقبلُ صدقةً ولا رحمةً، تقول حينما تضع مالاً في يديها «خذ منديلاً» ولا تتصدق عليّ.. تقولها وهي تصارع أفكارها في تلك الريالات التي باعت فيها المنديل.. ماذا أشتري بتلك الريالات تقولها بصمت تخفيها في محفظةٍ من القماش تربطها بخيطٍ قد لوّن بصمغة حنا من كفي يديها، وضعت الحنا على كفيها بطريقة بدائية ليس لتجمله، بل ليكون عازلاً من بعض التشققات التي بدأت تظهر من مشقة العيش وطبقة تعزل عن بعض آلام اليد، حينما تحمل كيساً محملاً بالمناديل. ليس بالحمل الثقيل كيس المناديل بقدر ثقل تلك الأوجاع التي تحملها في أفكارها وخيالاتها حمل أرهق الرجال فكيف بامرأة، تطمع بأن ينعم أبناؤها برغدٍ من العيش، تتمنى أن تملأ عيونهم بما تستطيع، تطمح إلى أن يكبروا ويكبر معهم حلمهم ويتحقق أجمله، فيما تقبع هي في مقعدها وبين مناديلها لا تمسح دمعها بمنديل بل بقماشٍ ابتل من دموعها لا يخلطه كحلٌ في تلوين تلك القماشة. قماشةٌ ساهمت في رسم مجرى دموعها تخفيها قطعة قد غطت بها وجهها الحزين، شمسٌ وبردٌ يأتيانها في كل فصلٍ قد اعتادا على ضيافتهما في مقعدها. هي سيدةٌ تتمنى أن تكون في منزلها تقوم بمهامها كأم لأطفالها تحتضنهم وتدبر أمورهم في منزلها. هي الأمُ لا تذق طعم الحياةِ وإن حسُنت ففي القلبُ نبضٌ وللعينِ عيش ٌ وللأبناءِ حضنٌ في مرتعها.. أمٌ ولو قست الأيامُ فهي جناحٌ تغطي بها شر كل مكيدةٍ، وإنْ كبرتْ فلن يهدأ لها بالٌ حتى ترى من هم في قلبها مداداً في حياة وهي على مقعدٍ تتلذذُ.