وربما أبدأ بالقول بأن عدد الكليات القائمة حالياً بالمملكة كافية في غالبية التخصصات الرئيسة سواء التعليم أو الهندسة أو العلوم الإنسانية أو الصحية. نحتاج فقط الصبر على تلك الكليات وبالذات الحديثة منها لتنمو وتضخ مخرجاتها للسوق بشكل سليم وغير مشوه. نحتاج الالتفات للجودة والتوسع بعد ذلك في التخصصات الفرعية عبر الدراسات العليا والدمج والتوسع في بعض التخصصات. وأضيف متنبئاً بأنه سيأتي يوم نبحث فيه فكرة الاندماج بين بعض الكليات أو الجامعات. سيأتي ذلك عندما تقل الموارد الاقتصادية وتتحول الكيانات الجامعية القائمة إلى كيانات مستقلة تدار وفق نظرية تعليمية وتشغيلة اقتصادية أكثر تطوراً. وسأدلل هنا بكليات الطب لأن هناك معطيات تشير إلى أن مهنة الطب هي الأولى عند الحديث عن نقص الكوادر الوطنية فيها. وفق دراسة علمية يجري الإعداد لنشرها من قبل مؤلفيها في إحدى المجلات العلمية، يمكننا القول بأن كليات الطب السعودية الحكومية القائمة ستخرج حوالي أربعين ألف طبيب أو أكثر خلال العشرين عاماً القادمة، يتم إضافتهم إلى عدد الأطباء القائم حالياً ويتجاوز 16 ألف طبيب سعودي. لم يتم حساب مخرجات الكليات الأهلية لأسباب تتعلق بالنموذج الرياضي المستخدم وعدم مطابقته عليها كما لم يتم حساب الكليات المتوقع بدءها قريباً ككلية حفر الباطن أو كلية جامعة نورة. النموذج المستخدم اعتمد على تحليل سلوك النمو لكليات الطب القديمة خلال عشرين عاماً للتوصل إلى سلوك نمو متوقع للكليات الحديثة وكان متحفظاً لدرجة أنه توقع أن لا تزيد مخرجات أية كلية طب عن 205 طالب وطالبة، رغم أن بعضها كجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود تجاوزت ذلك الرقم كثيراً حيث خرجت جامعة الملك عبد العزيز أكثر من 300 خلال عام 2012م. بعيداً عن التفاصيل البحثية لأن هذا ليس مكانها، أصل إلى النتيجة بأنه يكفينا العدد الحالي من كليات الطب. علينا أن نستوعب بأن حماسنا نحو سعودة التخصصات المهنية بما فيها الطب لا يعني مزيداً من كليات الطب الغير ناضجة وغير متميزة. القفز في تخريج الأطباء ألفي طبيب أو أقل إلى تخريج أكثر من 40 ألف طبيب خلال عشرين عاماً يعتبر إنجازاً رائعاً وعلينا الالتفات إلى أسئلة أكثر إلحاحاً وضرورة في هذا الشأن. السؤال الأول المهم هو عن تجويد مناهج وطرق التدريس والتدريب وبالتالي المخرجات لتلك الكليات؟ السؤال الثاني وهو كذلك يحتل الأهمية والأولوية عن تدريب الأطباء بعد إنهاء دراستهم الجامعية في برامج التدريب التخصصية، حيث لا يمكن الاعتماد على الابتعاث فقط في هذا الشأن؟ السؤال الثالث عن التخطيط لاستيعاب تلك المخرجات من ناحية وضع أولويات ونوعيات التخصصات المطلوبة في القطاع الصحي والأهداف/ النسب المطلوب الوصول إليها خلال السنوات القادمة؟ موضوع كليات الطب يقود إلى موضوع أوسع يتعلق بخطط افتتاح الكليات والبرامج التعليمية الجامعية الحديثة في كافة التخصصات. هل هناك دراسات استشراقية يتم إجراؤها في كل تخصص تسبق التوجه نحو افتتاح الجديد منه؟ أم أن هناك ظروفا إدارية وآلية بسيطة غير مقننة علمياً تستخدم في هذا الشأن؟ لماذا لا يقوم مركز أبحاث التعليم العالي أو مراكز البحث الجامعية بدراسات معمقة وجادة في استشراق مستقبل كل تخصص أو مهنة في المملكة من ناحية الاحتياج والتوقعات المتعلقة بمخرجات التعليم العالي فيه، وبالتالي مساعدة أصحاب القرار في هذا الشأن؟