وجهت الشرطة الأسترالية ضربة موجعة ل«حزب الله» اللبناني؛ بعد نجاحها في تفكيك شبكة تبييض أموال على علاقة بعشرين دولة حول العالم. نجح «حزب الله» في تجنيد بعض المغتربين العرب حول العالم؛ وعقد من خلالهم علاقات وثيقة مع عصابات المخدرات والرقيق الأبيض؛ أسهمت في بناء شبكة معقدة متخصصة في غسل الأموال القذرة؛ ودمجها في الاقتصاد. لم تعتمد شبكة «حزب الله» على المركزية؛ بل عملت بإستراتيجية منفصله عن بعضها البعض لضمان تحقيق الحماية القصوى لخلاياها المتفرقة؛ في حال انكشاف إحداها. وبرغم نجاعة إستراتيجية التخفي؛ إلا أن العلاقات المالية لا يمكن فصلها مهما اجتهد المختصون في تحقيق هدف الانفصال الوهمي. إستراتيجية العمل المنفصل سمحت لبعض عملاء حزب الله بالانفصال والاستئثار بما لديهم من أموال تخص الحزب. بعض الاستخبارات الغربية استغلت آلية الحماية لمصلحتها؛ ودخلت في تسويات مع عملاء الحزب للكشف عن شبكاته القذرة مقابل الحصانة والاحتفاظ ببعض الأرصدة المالية؛ وهذا ما ساعد على كشف مزيد من الخلايا المتخفية. اللجنة الأسترالية لمكافحة الجريمة؛ أشارت إلى أن شبكة تبييض الأموال على علاقة بثماني عشرة عصابة منظمة تنتشر في 20 بلداً؛ وهو أمر غير مستغرب؛ فالعصابات المنظمة تشكل فيما بينها شبكة لصناعة؛ ونقل وترويج المخدرات؛ وغسل أموالها؛ إضافة إلى تجارة الرقيق الأبيض التي تستخدم في كثير من الأحيان للإيقاع بالساسة ورجال المال والأعمال؛ إلى جانب ما تحققه من مردود مالي كبير. مصادرة السلطات الأسترالية؛ بالإضافة إلى المخدرات؛ أصولاً ضخمة بقيمة 510 مليون دولار أميركي؛ تكشف عن تغلغل الشبكة في الاقتصاد الأسترالي؛ فبناء الأصول؛ المُدمجة في الاقتصاد تشكل المرحلة الأخيرة من مراحل غسل الأموال؛ وهذا يؤكد أن شبكة «حزب الله» باتت أكثر تغلغلاً في اقتصادات الدول المستهدفة وعلى رأسها دول الخليج التي تضم أصولاً عقارية؛ مالية وتجارية بأسماء أفراد وشركات اعتبارية تابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني. تفكيك شبكة تبييض الأموال في أستراليا؛ أعادت إلى الأذهان شبكة غسل أموال الحرس الثوري الإيراني التي كشفت عنها السلطات البحرينية العام 2010؛ والمنتشرة في عدة دول حول العالم؛ ومنها الكويت. العقوبات المشددة؛ وإخراج إيران من نظام (سويفت) إضافة إلى توسع قائمة الحظر الدولية لتشمل غالبية الشخصيات الفاعلة في الحرس الثوري الإيراني؛ أسهمت في تبادل الأدوار بين الحرس الثوري و«حزب الله» اللبناني الذي بات يمثل الذراع العسكرية والماليةلإيران في المنطقة. تغلغل «حزب الله» في اقتصادات الدول المتقدمة؛ يعني قدرته الفائقة على اختراق الأسواق الخليجية بسهولة. جميع المؤشرات تؤكد وجود أنشطة مالية ضخمة لحزب الله في الخليج؛ وهي أموال ستتسبب في إقحام بعض الأنظمة المصرفية الخليجية في مشكلات دولية لا حصر لها. عمليات غسل الأموال قد تختفي لفترة، ولكنها ستظهر لا محالة؛ ثم تتعاظم ككرة الثلج. أحسب أن بعض ملفات غسل الأموال في الخليج باتت مكتملة لدى الاستخبارات الغربية؛ التي تفضل تعليقها مؤقتاً؛ لفتحها وقت الحاجة. بعض الدول الخليجية (الآمنة) من المكر الغربي سَتُفاجأ بقضايا دولية لا حصر لها مستقبلاً. بعض العلاقات المالية المشبوهة التي تنفذ بموافقة الاستخبارات الغربية ستتحول إلى أدلة إدانة ضد من نفذها؛ فالأعمال غير القانونية؛ لا تكتسب الشرعية وإن أسهم في تنفيذها القضاة أنفسهم؛ لا العناصر الإستخباراتية المحترفة. دول الخليج في حاجة ماسة إلى تنشيط أجهزتها الأمنية المختصة في القطاعات المالية. العمليات الأمنية المعقدة التي كشفت عن شبكات غسل الأموال العالمية تقوم على محورين رئيسين؛ المحور الإستخباراتي وهو الأهم؛ ومحور الرقابة والتدقيق المالي. أعتقد أن بعض دول الخليج تنقصها الكفاءة في الجانبين؛ وهذا لن يتسبب في تضررها مستقبلاً؛ بل سيسهم في الإضرار بدول الخليج الأكثر إلتزاماً؛ لأسباب مرتبطة بالتداخلات المالية والمصرفية. ملاحقة أنشطة حزب الله في الخليج لم تسفر عن تقدم يُذكر في مكافحة شبكة الحزب المالية والتجارية؛ وهذا يرفع أكثر من علامة استفهام حول جدية بعض الأجهزة الأمنية الخليجية في تنفيذ القرار المتخذ. تجفيف مصادر تمويل حزب الله في المنطقة؛ وتفكيك شبكات غسل الأموال؛ وملاحقة أنشطته التجارية يجب أن يكون من أولويات الأجهزة الأمنية في الخليج؛ إذا ما أرادت تحقيق أمنها الداخلي.