مقاهي العرب مخصصة عادة إما (للحشّ) أي النميمة، أو الغيبة، أو التجسس، أو قتل الفراغ بشرب الشاي والشيشة ولعب الورق أو النرد، الساعات تمضي والعرب صامدون في (مقاهيهم) من البحر إلى البحر، ما بين شاشات الفن، وأخبار الثورات، وثورات الرياضة! المقهى في عرفنا يرتاده (العاطلون)، يتجه له من لا يعرف أن يذهب، حتى أن الضوضاء والعشوائية ارتبطت به، فمن يتصرف أو يرفع صوته بشكل لا يتناسب مع المكان الذي يجلس فيه يُقال له مباشرة (وين قاعد الأخ في مقهى)؟! مصر ودول الشام ودول المغرب عرفوا المقهى قبلنا، فهو مكان للقاء بين الأصدقاء وأهل الحي أو الحارة، يفردون على طاولاته مشاكلهم وقضاياهم، وينفخون همومهم مع الدخان المتطاير من شفاههم، كل يدفع ما يتناوله من مشروبات فقط، ومن خلال (دفتر الحساب) يمكن تقييم دخل أهل الحارة ومستوياتهم المادية! النظرة تغيَّرت محلياً في بلادنا مع التطور الحاصل وتحول المقاهي إلى أماكن للقاءات شبه الرسمية، أو الحوارات بعيداً عن المكاتب أو المنازل، وعادة يكون اللقاء في المقهى إما تمهيداً للقاء رسمي آخر، أو أنه يأتي عقب اللقاء مباشرة، وأرجو أن نحسن الظن في هذه النقطة تحديداً! (قبل سنة تقريباً) كتبت عن (استراق السمع في مقاهي الرياض) لتعرف ما يُفكر به أكثر من ستة ملايين نسمة يسكنون المدينة، ولكوننا أكثر شعوب الأرض (فتنة بالتقنية) على ذمة خبراء تويتر، فإنني أكتب اليوم عن إصلاح الجوال في المقهى، الفكرة التي نبعت من هولندا ابتداءً وتبعتها ألمانيا وبريطانيا، بافتتاح مقاهٍ متخصصة (يمكن للزبون فيها) شرب فنجان قهوة، والتحدث مع آخر حول جهازه الإلكتروني، ومعرفة كيف يمكن إصلاحه أو الاستفادة منه، أو حتى تطويره وإضافة برامج له! أرجو أن لا يكون الأمر مستحيلاً مع البرستيج (الكاذب والخادع) لمقاهينا، فالفكرة تنتشر الآن في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بشكل سريع جداً، وهم يفكرون في نشرها والترويج لها (كعلامة تجارية)؟! هل يمكن أن يفتتح في الرياض مقهى متخصص يُمّكن رواده من التحدث مع بعضهم وإصلاح أجهزتهم وبرمجتها فيما بينهم وهم يرتشفون القهوة، بدلاً من التخلص منها كخردوات؟! وعلى دروب الخير نلتقي.