موضوع مهم نتردد كثيراً عند طرحه أو التحدث عنه، لكنه واقع لا مفر منه، ووباء انتشر كالنار في الهشيم، حشرات تأكل لحومنا، وتمتص دماءنا. إن موضوعاً مثل التحرش الجنسي بالأطفال - للأسف - ملف مغلق وقضية غير قابلة للنشر، وأؤكد أن دراستها والتعمق فيها وتحليلها سوف تكون صعبةً جداً؛ لأن المجني عليه في أكثر الحالات يصمت ويضمحل عن المجتمع. وسبب آخر هو أن بعض الدراسات - ومنها التحرش الجنسي للأطفال - ما زالت مرفوضة في مجتمعاتنا العربية من بعض الجهات والمؤسسات. هذا الوباء لا يأتي من الغريب فقط، بل احذر من القريب أيضاً. نسمع كل يوم قصصاً نشيب لها، قصصاً أبطالها محارم، قد يكون العم أو الخال أو حتى الأخ.. أمرٌ يُفزع، أين الأمان إذن؟ ومن مأمنه قد يُؤتَى الحَذِرُ! فوقع كلمة (التحرش) على الأذن ثقيلة لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء، أو يعتقد أن أبناءهم بعيدون عنها، كما قد تسبب حرجاً للوالدين حين يمنعا السؤال عما يخص الحماية والتوعية للأبناء ضد التحرش. لكن على كل حال، فتلك الكلمة رغم ثقلها ووقعها تفرض نفسها على واقعنا؛ بما يستلزم وقفة وإعداد الحماية اللازمة لأبنائنا من ذلك الخطر، خاصة بعد الانفتاح الذي حدث بدولتنا، ذلك الانفتاح الذي نشر معه جرعات سامة من السلوكيات الغريبة، هدفها تدمير الأهل، خاصة فئة الأطفال. تلك الآفاق الخارجية التي تحيط بنا وبكل مكان في العالم، من أمواج البث الإباحي المهين الذي أصبح فناً وعلماً وصناعة، تُنفق عليه وتُحصَّل منه أيضاً المليارات من الدولارات سنوياً، وتنهض به مؤسسات ومصالح عامة، لا يسعى أحد للاعتراض عليها أو مجابهتها، لكن ما يهمنا نحن المعنيين السعي لتحقيق مسؤوليتنا التثقيفية تربوياً وتعليمياً وروحياً وخلقياً، وفق برامج تأهيل نفسية وسلوكية واعية يسيرة داخل الأسرة، أو خارجها عبر المؤسسات الأخرى لمرور الأجيال. إن التربية السليمة هي التي تمتد فيها جسور المحبة والمودة الصادقة بين الآباء وأبنائهم؛ ما يجعل البيت حصن الأبناء الأول، منه يواجهون الحياة وهم مؤهَّلون أقوياء، وبه يتحصنون تجاه أي اعتداء أو خطر يتهددهم. فلا بد من توعية الطفل وتلقينه دائماً أن عورته لا ينبغي أن يراها أحدٌ أبداً، ولا حتى إخوته، ولا يسمح لأحد بأن يكشف عورته أو يطلب منه ذلك. أهمية الوعي بمسؤولياتنا تجاه التثقيف الجنسي الصحيح أعتبرها ضمن مستويات الفرض والواجب على كل مؤمن ومؤمنة. وتبدأ مرحلة التثقيف التربوية قبل سن البلوغ، بدءاً من سني الطفولة الأولى، ويغذَّى هذا التثقيف بجرعات متناسبة مع النوع والعمر والمحيط المجاور له, وهذا كله ليس بمنأى عن القوى العقلية والتجارب الواقعية الرائعة الداعمة لكل خطوة من خطواته مما جاء في نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والحوادث المأثورة. والأمثلة كثيرة، وهي في الحقيقة موئل كل إصلاح تربوي وتقويم خلقي وقيادة نفسية للمجتمع من بُعد. وأرى كذلك ضرورة إقحام المدرسة لتلعب دوراً في التربية الجنسية، ففي الوقت الحالي نحن نهتم أكثر بالصحة الجسدية للطفل، أي بغذائه وطبيعة حياته، ونهمل في المقابل نموّه النفسي، الذي يمثّل المفهوم الجنسي مرتكزاً أساسياً له. من هنا يأتي دور المدرسة في الإضاءة على أهمية هذا الموضوع، ولو عن طريق المناهج المدرسية. ولا تزال المؤسسات الاجتماعية - بكل أسف - قاصرة عن إيصال الرسائل التربوية الوقائية والعلاجية للحد من هذه المشكلة، فنحن بحاجة ماسة لجهود الجميع على الأصعدة كافة للمشاركة في هذه البرامج التوعوية؛ حتى تؤتي ثمارها. أخيراً، علينا أن نؤمن بأن الحل هو نبش الواقع وإظهاره كما هو دون خدوش، والتوعية، مع تشديد العقاب على الجاني في مثل هذه الحالات.