هي الحياة الفانية التي ابتُلينا بها بعد أن حملنا الأمانة، التي لا تنفك تمارس علينا أنشودة الرحيل. هي حالنا أن جُعلت خاتمتنا عنوان عبورنا إلى الآخرة. فكيف برجل بعد أن شهدنا له في حياته بالصلاح والإصلاح، العلم والعمل والإيمان. الله دائماً أبداً صادق في وعده، فبعض من يرحلون إلى جواره يضرب بهم مثلاً لمن ينتظرون {فمن يعمل مثقال ذرة خير يره}. هكذا كانت سيرة الراحل سعد الكريديس، وهكذا كانت خاتمته إكراماً من الله - عز وجل - له، ودرساً لنا نتعلم منه. آخر كلماته قبل أن تعود الروح إلى بارئها بساعة أن طلب أن يخرج من غرفة التنويم؛ ليُذهب به إلى مسجد المستشفى، وأن يسجى على ظهره في المحراب حيث كان الوعد من ربه هناك أن تشهد يا سعد فإني قابض روحك. كيف هي لحظاته الأخيرة بتلك الروحانية، تلك الطمأنينة التي شعر بها وهو على محراب المسجد، تلك الخاتمة التي ندعو الله أن ييسرها لنا هُيّئت له بتقدير ربه. دروس وعِبر لمن بقي بعد الرحيل من البشر. حين تابعتُ وسمعتُ شهادة الكثيرين من أهل العلم والصلاح والبسطاء من الناس وهم يتحدثون عن سعد تيقنت أن مثل تلك الكرامات النادرة ليست فقط لصاحب الكرامة بل هي رسائل إلى الأحياء الغافلين. حين حضرت مراسم مواراة جثمان الفقيد، ورأيت تلك الجموع التي أتت تشهد لسعد بأنه من أهل الخير، وأنه من أهل الصلاح، تُشهد الله على نفسها أنها أتت لسعد، فإن الغبطة تتملك الوجدان، والأمل بالاقتداء يتملك الأحلام. اللهم ارزقنا نهاية سعد في زمن قلَّ فيه سعد. مَن يعرف سيرة الشيخ فهد الكريديس - رحمه الله - والد المغفور له - بإذن الله - سعد يعرف أن الأعمال الصالحة بالنوايا الصالحة تؤتي صاحبها الصدقة الجارية بعد الرحيل، فسعد كان صدقة جارية لفهد، ومن بعدك يا سعد ستأتيك الصدقات بالإخوة والأبناء. قد يكتفي الإنسان في كل شيء إلا بميزان حسناته، فإنه الطمع المحمود، وكيف لمن أسس في حياته ليلقى ربه راضياً مرضياً. آلمنا رحيلك يا سعد، ولكن أليس للقدر حكمته. إننا على قدر الألم، على قدر فرحنا، كيف كان رحيلك يا سعد. نقدم عزاءنا لأهله ودعاءنا أن يلهمهم الله من بعده الصبر والسلوان، فلعقد فهد الكريديس - رحمه الله - في سبحة الخير من يحملون الأمانة، ويضربون على الأرض صلاحاً، أشقاء سعد - رحمه الله - الشيخ عبدالرحمن والشيخ عبدالله رئيس مجلس إدارة شركة توكيلات الجزيرة للسيارات والدكتور منصور بن سعد.. فهؤلاء الذين تنافس معهم الكثيرون على حزن رحيل سعد، لهم ندعو الله أن يشد من أزرهم، ويصبغ عليهم من نعمه، ونبتهل دائماً وأبداً: اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، اللهم ألحقنا بسعد على حال سعد بعد الرحيل.