كنتُ أدير كشكاً في «نادي هارفارد»، الذي استضاف مؤخراً أمسية مكرّسة للمؤلفين في نيويورك، عندما اقتربت منّي امرأة مسنّة وأمسكت بنسخة من كتابي، وعنوانه «إعادة ابتكار ذاتك»، وتصفّحته قليلاً قبل أن تعيده إلى مكانه. وفجأة قالت: «فات الأوان بالنسبة إليّ»، ثمّ رحلت. على امتداد الجولة الترويجيّة لكتابي خلال الأشهر الستّة الماضية، تكرّر على مسامعي السؤال التالي: أليست إعادة ابتكار الذات مخصصة للجيل الشاب وحسب؟ أوليس تقدّمي في السنّ عائقاً يحول دون قيامي بذلك؟ كيف أكرّس سنوات للتدرّب على مجال جديد، وأنا على مشارف سنّ التقاعد؟ صحيح أن إعادة ابتكار الذات تكون مختلفة في المراحل اللاحقة من مسيرتك المهنية، لكنّ الأمر لا يعني أنها مستحيلة. بعد كلامي مع مئات الأشخاص المنتمين إلى جيل الطفرة (وما بعده)، الذين يرغبون في إعادة ابتكار ذاتهم، إنما يخشون أن يكون الأوان قد فات لذلك، رصدتُ عدداً من النقاط الرئيسية الموجهة إلى العاملين الذين يأملون النجاح في إنجاز عمليّة انتقاليّة في حياتهم: - عليك أن تفهم أنّ أمامك ما يكفي من الوقت: يرى البعض أن إحداث تغييرات كبيرة في مرحلة متأخرة من حياتهم لا يستحق العناء. لكن إن لم يكن المال يشكّل مصدر قلق، فلا مانع من الإقبال بحماسة على استكشاف مجالات جديدة. وفي حال كنت لا تزال تعمل لتستحق راتبك التقاعدي، فالأمر لن يحول دون إعادة ابتكار ذاتك، لكنّك قد تفضّل تحوّلات أكثر ذكاءً، كأن تشارك في دروس إلى جانب عملك لزيادة مهاراتك، بدلاً من أن تستعدّ طوال سنوات لنيل شهادة دكتوراه. - أنت تملك طبعاً مؤهلات أكثر من المطلوب- وبالتالي، كن سيّد الموقف: إن كان أحدهم تبوأ منصب مسؤول تنفيذي واسع النفوذ، قد يصعب كثيراً فهم السبب الذي قد يجعله يرضى بأي خيار أقل مرتبةً (ما لم يكن الأمر نابعاً عن يأس كبير على الصعيد المادّي). ألن يشعر بالامتعاض طوال الوقت؟ بدلاً من التملّص من الوضع، أوصي أهالي الاختصاص الأكبر سناً بالاستفادة من مهاراتهم للقيادة. وقد تبادرني قائلاً: «قد تتساءلون عن ردّ فعلي إن كنتُ تحت إمرة شخص أصغر مني سناً، بعد أن كنت أدير فريق عمل كبيراً. والواقع أنّه بالتحديد السبب الذي يجعلني أسعى للحصول على هذه الوظيفة ويشكلّ جزءاً من القيمة التي سأجلبها إلى مكان العمل. وبما أنني كنت مديراً، أفهم الضغوط والمواقف المحبطة التي يواجهونها، وبالتالي، بإمكاني أن أكون موظفاً أفضل، وأنا أتوق للتعلّم عن هذا المجال الجديد من شخص يملك خبرة فعلية فيه». - كن مواكباً لتطوّرات العصر: ما الداعي لتنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ الواقع أنّ هذا الأمر لم يعد اختيارياً، وقد أصبح من تواجد المسؤولين التنفيذيين فوق سن الخمسين على شبكات التواصل الاجتماعي ضرورة ملحّة، إذ يُنظر إليها بصورة متزايدة على أنّها وسيلة تسمح بمواكبة التطوّر على الصعيد المهني. - عاود التواصل مع ماضيك: نعرف جميعاً أن الفرص المهنية قد تتأتى عن شبكة معارفنا الحالية. إلاّ أنّ كثيرين لا يدركون أن بعضاً من المعلومات والفرص الأكثر قيمةً تنتج عن «روابط خاملة» أو عن أشخاص من الماضي فقدنا الاتصال بهم. - فاجئ الناس: أثبت وجودك من خلال تولّي دور قيادي غير متوقّع، وشارك في صفوف تتناول موضوعاً جديداً على غرار برمجة الكومبيوتر، أو طالب بإنجاز مهمّة تحيّرك فعلاً (فعلى مر السنوات، ربّما بدأ الاعتقاد يسود لدى رئيسك وزملائك بأنهم «يعرفون المجالات التي تثير اهتمامك»، وبالتالي، آن الأوان لتثبت لهم عكس ذلك). وبالتالي، استمهلهم للحظة ودعهم يراجعون الافتراضات التي كوّنوها عنك.