قضية البدون تعتبر من القضايا الأزلية في دول الخليج العربي. أن تكون مواطنا ولا تكون في نفس الوقت هي إشكالية الهوية الرئيسة التي يعانيها فئة البدون وهي فريدة على مستوى العالم بوجود أشخاص ليس لديهم جنسية واضحة لأي بلد، وإنما بطاقات إقامة تظهرهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. الصهد هي إحدى الروايات الصادرة مؤخراً للروائي المبدع ناصر الظفيري في 380 صفحة وتحكي واقع هذه الفئة بداية من نشأتهم كقبائل بدوية تم استقطابها لتساهم في معادلة الصراع السياسي ولكن دون منحهم امتيازات المواطنة الكاملة، ثم بعد ذلك تحجيم إقامتهم في مناطق محددة تحولت إلى مناطق منبوذة من قطار التنمية الكبير. يعملون في قطاعات الدولة بما فيها القطاعات العسكرية، وفي صراع الحروب والسياسة يتم استحضارهم والاستعانة بهم. بل إنهم يبادرون للدفاع عن البلاد التي عاشوا فيها حتى ولو لم تمنحهم الجنسية الشرعية الكاملة، وفي حالة السلم تصبح كلمة البدون شتمية ومعايرة لهم بالنقص. الصهد وتعني القيض أو الحر الشديد كناية عن سخونة فصل الصيف في منطقة أحداث الرواية وربما كناية عن سخونة قضية البدون التي لم تحل بشكل جذري رغم الاعتراف بوجودها ورغم إدراك الجميع لمكوناتها وعواقبها المختلفة. كبر أبناء البدون وتعلموا معنى أن يكون لهم وطن وهوية تتجاوز مجرد العيش في منطقة محصورة على الهامش، حاولوا لعب دور يليق بمعرفتهم وخبراتهم التي تعلموها وبدلاً من أن يدافعوا عن قضيتهم الرئيسة انقسموا على ذاتهم فبعضهم رضي بالسلبية في صراع إثبات الوجود (كعلي شومان) وبعضهم حاول أن يكون في صف حزب أو فئة اخرى دون أن يكون لهم كتلتهم السياسية الخاصة بهم. لم يكونوا سلبيين عندما دق ناقوس الخطر واحتل العدو الديرة التي عاشوا فيها وأحبوها فحاربوا ضمن صفوف المقاومة رغم أن مصيرهم بعد الحرب لم يكن بأحسن حالاً منه قبله. الناشطة في مقاومة الغزو (ليال) ينتهي بها المطاف إلى السجن وبعده الانتحار، لأنها (بدون) تلقى عليها تهم الخيانة دون تحقق كاف. وفي بحثهم عن الهوية هاجر بعض المتعلمين منهم كما حصل لعلي شومان الذي قادته الظروف للهجرة إلى كندا والحصول على جنسيتها. ورغم ماحصل عليه في كندا ورغم ماحصل له في الماضي فقد حن لأهله ولوطنه الذي تربى فيه وعاد يكفكف خيباته متأخراً. وطنه الذي لم يمنحه الجنسية كما منحتها له كندا. عاد متأخراً ولم يسمع كامل الحكاية من والده (شومان البدوي) الذي فقد ذاكرته بتقدم العمر. شومان كان عوناً للمتنفذ ابن فضل في نقل البدو وتوظيفهم في الحكومة مع إبقائهم دون جنسية أو هوية، لكنه مات وحكايته يحملها (في بطنه) كما يقال. يحكي الرواي: «ما تعانيه ليال هو أن تعيش وضعها الحقيقي، هي لا تعترف أنها بدون جنسية، ولا ترى في هذا الوضع قلقاً وجودياً، حتى في كتاباتها السياسية أو تعليقها على المشهد السياسي .... لم تخرج عن الهم العام إلى الهم الخاص. ربما لأنها لم تكن تعيش بينهم، وكأغلب السياسيين والكتاب وقطاع كبير من الشعب، لم تفكر حتى في زيارة مساكنهم أو الاقتراب من حياتهم العامة أو الخاصة...» هي مهمة الزملاء بالصفحات الثقافية قراءة الرواية فنياً، فما أنا سوى متذوق كتب هذه الإطلالة الصغيرة على رواية جميلة ذات قضية إنسانية. تستحق الرواية القراءة وتستحق القضية البحث عن حلول لها.