كنت ملء القلوب، وكنت ملء النواظر، أيها الراحل العزيز وداعاً، عش قرير العين في جنة الخلد، بجوار رب كريم، إلى رحمته ورضوانه تهفو المشاعر.. في مثل الموقف المفاجئ تغيب العبارات وتفيض العبرات، كيف لا ونحن نرى والألم يعصرنا صفحة العمر لهذا الرجل السمح الكريم تُطوى أمام ناظرينا في غمضة عين ويترجّل هذا الفارس بعد مشوار حافل بجلائل الأعمال، يزهو سجله الذهبي بأنصع الصفحات الحافلة بالعطاء في خدمة وطنه في أنبل وأغلى المجالات، مجال التربية والتعليم، حيث العطاء المتواصل طيلة حياته بمختلف المراحل التعليمية. ولكن مما يخفّف ألم الفراق بفقده، واللوعة برحيله أن هذه سنَّة الله في خلقه كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ولا يسعني بعد هذه المقدِّمة المتواضعة، وأمام هذا الخطب المحزن إلا أن أرفع يدي إلى الله العلي القدير وأدعو من الباري عزَّ وجلَّ أن يغفر له ويتجاوز عنه بعفوه الكريم ورحمته الواسعة.. لقد كان - رحمه الله- من الصفوة المبرزين في الأخلاق والتضحية والتواضع الجم، كان يحب الخير للناس ويسعى جاهداً إلى ذلك بكل أريحية وسماحة نفس وطيب خاطر ما استطاع لذلك سبيلاً.. خلق كأنفاس الرياض إذا أسحرن غب العارض الهطل جم المحامد في مكارمه جم التواضع غير مبتذل لقد أمضى معالي الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله- في التربية والتعليم والإدارة أكثر من أربعين عاماً حافلة بالكفاح والنجاح بلا كلل ولا ملل معلّماً فذاً وأكاديمياً مبرزاً وإدارياً متفرّداً ووزيراً مخلصاً مجدداً، وقبيل رحيله أصبح وقته لمجتمعه في الرأي والمشورة مع إطلالة أسبوعية عن موضوع شامل شاف في ميدان الصحافة وندوة مساء كل سبت مع محبيه ومقدري مكانته وثقافته الجامعة. كان طيلة حياته الحافلة في الخدمة حسن المعاملة والتعامل قدوة في حسن الاستقبال والتوجيه.. وبفقده - يرحمه الله - فقدنا رجلاً من خيرة الرجال ووجهاً مضيئاً من وجوه الخير والبشر والوفاء.. وبرحيله توقف ذلك القلب النظيف المليء بالإيمان والصدق والمروءة والنخوة والشهامة.. لقد عاش أبو أحمد مؤمناً قوي الإيمان نقي السريرة نظيف الذمة لطيف المعشر حسن الصلة بالناس محبوباً من الجميع يتفانى ويخلص في جميع مجالات الخير.. عندما تقابله أو تتعرَّف عليه لأول مرة تشعر وكأنك تعرفه من سنين طويلة لرقة مشاعره ولطف جانبه وجم تواضعه.. ولأن المؤمنين شهود الله في أرضه فقد شهد الصلاة عليه والمشاركة في دفنه جموع غفيرة تمر السنون دون أن نشهد لها مثيلاً.. رحم الله أبا أحمد وأسكنه فسيح جناته مع عباده الصالحين، رحل ومكانته في القلوب لا تمحى وسيرته العطرة الزكية في نفوس محبيه وعارفي فضله لا تنسى.. وفي الختام وأنا أغالب مشاعر الألم بهذا الخطب الجلل المفاجئ برحيله كأني أراه بوجهه السمح النضر البشوش يعبّر عن مشاعره ولسان حاله يقول: إذا ما بات من ترب فراشي وبت مجاور الرب الكريم فهنوني أصيحابي وقولوا لك البشرى قدمت إلى رحيم