في بيت من البيوت المليئة بالمشاعر العائلية، كان هنالك طفل يعيش مع أمه اسمه خالد، كان الأب قد توفي منذ زمن بعيد، وكانت الأم تخبئ هذا السر عن طفلها الوحيد، وكانت تقول له إنه سافر وقد يعود قريباً. تقدم خالد إلى طلب الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، وكانت الأم تذهب لعملها من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة 10 ليلاً، مقابل أجر زهيد لإطعام نفسها وخالد.. أصبح خالد بالصف الثالث الابتدائي، وفي ليلة من الليالي العادية ألح على أمه أن تخبره متى سيعود أبوه، وخرجت تلك الكلمة من فمها كالصاعقة (إن أباك توفي). ذهب خالد إلى فراشه وعيونه مليئة بالدموع على حزن والده وفراقه، لم ينم من شدة حزنه، وكانت أمه تحاول أن تخفف من ألمه. تغيب عن المدرسة لمدة أسبوع، ثم عاد إلى ما كان عليه. لاحظ الأستاذ سليمان نسبة ذكائه وتفوقه من بين زملائه، فذهب لإخبار المدير، فكافأه المدير بشهادة تقدير ومبلغ مالي، أتم خالد المرحلة المتوسطة، ثم المرحلة الثانوية، وكان يتقدم من نجاح إلى نجاح، بأعلى الدرجات، تخرج خالد من المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز، فرحت أمه فرحاً شديداً. وقالت له: (تدريسك الجامعي على حسابي). قال خالد لأمه: (لا والله، هذه نقودك كسبتها بعرق جبينك ولن آخذ منها أي شيء). فلم تستمع أم خالد إلى كلامه وذهبت وسجلت ابنها في أرقى الجامعات في منطقتهم، عندما أتم خالد التسجيل طلب الموظف مبلغ خمسة عشر ألفا. وإذا بها تخرج ذلك المبلغ من حقيبتها. تفاجأ خالد من وجود هذا المبلغ مع أمه. فسألها عن ذلك قالت له: (أنا أقوم بحفظ هذا المبلغ منذ زمن لأجل دراستك الجامعية). وفي ذلك الوقت كانت الأم تخبئ عن ابنها سرا آخر، ألا وهو إصابتها بمرض سرطان المخ - عافانا الله وإياكم منه - وكانت تحتفظ بهذا المبلغ من أجل علاجها ولكنها لم تتعالج به، بل درّست به ابنها. مضت السنوات، ونجح خالد من مرحلة إلى أخرى. قارب خالد على الانتهاء من الدراسة الجامعية، ها قد اقتربت الاختبارات النهائية، أخبر أمه أنه قارب على الانتهاء من الدراسة الجامعية، أتى الاختبار الأول، والثاني والثالث، وأخيراً الرابع. دخل خالد على قاعة الاختبار بعد أن توكل على الله عزَّ وجلَّ، وكانت أمه تنتظره على البوابة الخارجية. مرت دقائق الاختبار. انتهى وقت الاختبار، سلم خالد ورقته، وانطلق إلى أمه ليبشّرها، ها هو يراها على مرأى بصره، ولكن.. نظرت إليه نظرة وداع، وإذا بها وقعت مغشية على الأرض. هرع خالد إلى أمه وهي تقول: (ثابر وواصل للنجاح). عانق خالد أمه عناقا وداعيا وانتقلت إلى رحمة الله. تعلم خالد من مرحلة حياته التي عاشها انه في بعض اللحظات يجب على الإنسان أن يضحي بالغالي والنفيس من أجل من يحبهم ويشتاق إلى لقائهم. فلا تبخل عليهم. وإن لم يردوا لك الجميل فاعلم انه لا شيء يضيع عند أرحم الراحمين - سبحانه وتعالى -.