«رضا الناس غاية لا تدرك»، مَثََلٌ ينطبق بمنتهى الوضوح على رجال المرور الذين مهما اجتهدوا وبذلوا لا ينالون رضا الناس ولو جزئيا. كنت في مكتب العقيد علي الدبيخي مدير مرور الرياض عندما جاء مسؤول في إحدى الشركات ينسق مع المرور بالقيام بعمل حفريات في بعض الشوارع لتنفيذ أحد المشروعات، وجاء اتصال من إحدى الجهات الرسمية ان عندهم فعالية ويطلبون من المرور التعاون معهم في ترتيب حركة السير، وعدت بذاكرتي قليلا إلى الوراء أيام فترة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة واضطرار المرور لتجهيز أربعين دورية للسيطرة على الزحمة في منطقة الجوازات ولم يتمكنوا من ذلك، ولنا ان نتذكر الجهود الخارقة التي تعامل بها رجال المرور أثناء هطول الأمطار الأسابيع الماضية وما سببته من إغلاق بعض الشوارع. لم يكن رجال أو جهاز المرور جزءا من المشكلة في أي من المشكلات التي يعانونها ونعاني منها، وأي قصور في تحقيق المستوى المطلوب من الخدمات المرورية ليس مرده إلى المرور وإنما إلى ثقافتنا نحن المستخدمين للشارع بكل أمزجتنا ونزواتنا وثقافة الأنا التي تتحكم فينا، وتجعل الواحد منا يقود سيارته وهو يعتقد انه وحده في الشارع دون وجود من يشاركه استخدام الشارع إلا من رحم الله. عادة ما تكون الأنظمة والقوانين وسيلة لضبط التجاوزات ان وجدت وإلا فالناس أنفسهم هم من يحكموا ويتحكموا في سلوكياتهم، بينما نحن العكس فالقاعدة هي المخالفة فتجد من ينحرف من أقصى اليمين إلى اليسار فجأة دون مقدمات، وتجد من يتجاوز عليك في شارع من شوارع المدينة من اليمين ومن يطلق آلة التنبيه بمناسبة ودون مناسبة، ومن يقف في مكان لا يجوز الوقوف فيه مسببا حالة من الزحام والاختناق هذا على الصعيد العام، أما الصعيد الشخصي فمثلا لا تجد من يربط حزام الأمان على الرغم من التأكيد المستمر على ذلك. مطلوب من رجال المرور ضبط كل هذه السلوكيات الخاطئة وان تشددوا صحنا واشتكينا وان تراخوا صحنا واشتكينا فما هو الحل إذاً؟ المسؤولية تبدأ منا نحن وعادة ما تقاس ثقافة الشعوب من الشارع، فتحكم على شعب ما من خلال سلوكه أثناء القيادة، وكنا نسمع قديما قاعدة تقول القيادة فن وذوق وأخلاق، لكننا نسيناها حتى ولو من باب الترف إيرادها أو قولها. بقي ان أقول ان أي زائر لمرور الرياض سيلاحظ من خلال الشاشات الموجودة في المكاتب التي تنقل صورة الحركة في شوارع المدينة، سيلاحظ الفرق بين سلوك السائقين في الإشارات الموجود فيها أجهزة ساهر والإشارات التي لم يركب فيها بعد إشارات ساهر، ستجد السائقين مثالا للانضباط والوقوف في صفوف مستقيمة وحركة مثالية، وفي الإشارات الأخرى قمة الفوضوية وكأن هؤلاء البشر غير هؤلاء تماما مع انهم أنفسهم وهذا يعني فيما يعنيه ان مسؤوليتنا الشخصية منعدمة تماما أثناء القيادة، فنكون منضبطين حينما نجبر على ذلك والعكس تماما. فاصلة: الخير في الناس مصنوع إذا جبروا.. والشر في الناس موجود وان قبروا.