حشد كبير غص به جامع الملك خالد بالرياض عصر يوم الأحد الماضي، ثم انتقل الحشد إلى مقبرة أم الحمام واستمر في العزاء من بعد صلاة العصر إلى قبيل الغروب، ثم توافد المعزون إلى داره -يرحمه الله- بكل فئاتهم شيباً وشباباً من غرب المملكة وشرقها، ومن جنوبها وشمالها،من داخلها وخارجها. رأيتهم من مكة والمدينة، من الأحساء وعسير وجيزان، من القصيم والجوف والقريات والحدود الشمالية وغيرها وكذلك من دول الخليج العربية الشقيقة وتوج ذلك قيادات الوطن العليا وفقهم الله. وذلك حباً ووفاءً وتقديراً للفقيد. ذلكم حقاً هو فقيد الوطن والتربية معاً هو ابن الوطن البار معالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد الذي انتقل إلى رحمة ربه الجواد الكريم العزيز الرحيم مساء السبت20-1-1435ه. تغمدك الله -يا أبا أحمد - بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى من الجنة. اتسع قلبك الكبير لاستقطاب القلوب حياً وها أنت تستقطبها ميتاً: أدب جمّ، وتعامل راقٍ، وخلق حسن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً...» صححه الألباني. كم كنت قريباً من الضعيف وذي الحاجة ولم يحل بينك وبينهم علو المنصب، كنت أعرف فيك احترامك للكبير ورفقك بالصغير. وعرف فيك زملاؤك ومن عمل معك عملك الدؤوب صباح مساء، فقد قلت لي بالحرف الواحد: «من نام أكثر من أربع ساعات فقد أضاع وقته». كم كنت تقول للعاملين معك: «حدودكم السماء»، وقلت لمن يتهيب الإقدام: «النائم لا يتعثر» ورفعت شعار: «وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة»، ووراء كل تربية عظيمة معلمون مخلصون. أنموذجك في العمل والتواصل والمتابعة فذ، وتجربتك رائدة ثرية، وإنجازك وفير قبل المنصب وفي أثنائه وحتى بعده. وكنت مدرسة بحق كما وصفك العارفون بك. وسطر هذه التجربة الرائدة خمسة وعشرون مفكراً تربوياً من داخل المملكة وخارجها في كتاب «التربية والقيادة والوفاء عند محمد بن أحمد الرشيد» الذي نشر في عام 1433ه (2012) وهو جدير بالقراءة للاطلاع على أنموذج قيادي وتربوي متميز لفقيد التربية والوطن والمجتمع التربوي الإنساني. فهنيئاً لأبنائه وإخوانه وأسرتهم الكريمة هذه السيرة العطرة، وهنيئاً لوطنه وجميع محبيه. رحمه الله رحمة الأبرار وجمعنا -أيها الأحبة- وإياكم به ووالدينا وإخواننا المسلمين في جنات النعيم على سرر متقابلين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.