من ينظر إلى باريس اليوم فلن يتخيل منظرها بدون برج إيفل، ذاك المَعْلم الشهير الذي صار رمزاً لباريس بل لفرنسا كاملة. ولكن الطريف أن هذا البرج حورِب منذ بدايته، وكادت باريس تفقده نهائياً! لماذا هذا؟ قد يكون السبب هو شكله العادي الخالي من الزينة، ولهذا لم يُبنَ ليقوم بشكلٍ دائم بل كان مؤقتاً أصلاً، ففي عام 1889م أقام الفرنسيون مهرجاناً عالمياً بمناسبة مرور مائة عام على الثورة الفرنسية التي قامت عام 1789م وخَلَعت حُكم المُلْك والكنيسة من فرنسا، وهَدَفَ المعرض أن يُظهر الإنجازات والتفوق المعماري والفني الفرنسي، فتمخضت إحدى الأفكار عن برج حديدي يرتفع 300 متر، وانتهت التفاوضات باختيار المهندس غوستاف إيفل وشركته ليصمموا ويبنوا البرج وعلى اسمه سُمّي، فَشيّدوا البرج بِنيّة أن لا يدوم أكثر من عشرين سنة، ولكن هذه الفترة بَدَت طويلة جداً للبعض، ذلك أن مجموعة من الكاتبين والفنانين أطلقوا حملة إعلامية مضادة لهذا البرج، والذي رأوا أنه سيئ الشكل عديم الفائدة ويهين بقية المعالم الحقيقية التي تفتخر بها فرنسا، ودعوا الناس إلى الانحياز ضد ما سموه «هيكلاً قبيحاً» وقال أحدهم: إن هذا البرج ليس أكثر من عمود إنارة! وانقلب الكثير من الباريسيين ضده، إلا أن المفارقة هي أن الزوار أحبوه وصار معلماً سياحياً شهيراً. لكن هذا لم يُهوّن من عزيمة أهل باريس على إزالته، غير أن الحكومة قالت لهم إنه سيزول بعد عشرين سنة كما قرّروا في البداية، وانتظر الباريسيون عام 1909م بفارغ الصبر لينقشع عنهم برج إيفل الدميم، حتى حصل شيء لم يكن في الحسبان: اختراع المذياع. لأول وهلة لا يبدو أن هنالك أي رابط بينهما، لكن المذياع هو الذي أنقذ برج إيفل من الزوال! السبب هو أن هذا البرج الباسق السامق المتناهي في الطول ظَهَرت له فائدة غير متوقعة وهي أنه ممتاز –بسبب ارتفاعه- لاستقبال موجات المذياع من مسافات بالغة البُعد، وبعد المزيد من التطبيق والتجربة ازداد جلاء هذه الحقيقة، فما أتت سنة 1907م إلا وقد عزمت الحكومة الفرنسية على إبقاء برج إيفل لفائدته الإعلامية هذه، وهكذا نجا البرج من الدمار. من طرائف حملة المعارضة تلك هي ما يُروى عن الكاتب الفرنسي الشهير غي دو موباسان والذي كان من مبغضي برج إيفل، وكان موباسان يستقبح هذا البرج ويتأذى من مظهره لدرجة أنه كان كثيراً ما يأكل من المطعم الموجود أسفل البرج، ورغم أن هذا يبدو تناقضاً إلا أن تعليله سليم، فقد كان موباسان يبغض هذا البرج الذي يُرى من كل أنحاء المدينة لدرجة أنه لم يجد مكاناً إلا أسفل البرج لكي يأكل بهناء بدون أن يراه!