كتبت غير مرة عن خطورة الأحياء الشعبية على المجتمعات الآمنة، وإمكانية تحولها مع هجرة سكانها إلى أوكار لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل، وبيئة حاضنة للمجرمين وجرائمهم المتنوعة، في الوقت الذي تمثل فيه الأحياء العشوائية التي تنتشر خارج المدن خطرا محدقا بالأمن، والتنمية والسلم والعدالة الاجتماعية. من عيوب التنمية لدينا تركيز الأمانات والبلديات على الأحياء الجديدة، وكذلك السكان الذين يأنفون العيش في الأحياء القديمة التي تتحول مع هجرة سكانها إلى أحياء شعبية طاردة للسعوديين، وقبولها، على مضض، بنشوء الأحياء العشوائية حول المدن، دون التدخل لوقفها أو معالجة وضعها، وإزالتها لأسباب تنظيمية وأمنية صرفة. صمت الجهات المسؤولة ساعد على انتشار تلك الأحياء بشكل كبير. وساعد على تغلغل مخالفي نظامي الإقامة والعمل فيها، وتحولها إلى كانتونات تتقاسمها العمالة بحسب جنسياتها، حيث وجدت فيها الأمن والسكنى والعلاقات الاجتماعية التي تشعر المخالفين وكأنهم في دولتهم الأم لا في وسط الرياض أو جدةوالدمام. حفزت تلك الأحياء عمليات تهريب المخالفين الذين ضمنوا المأوى قبل مخاطرتهم بتجاوز الحدود. وأحسب أنها من أسباب تنامي قضية العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل في المملكة. تتحمل الأجهزة الحكومية المسؤولية في انتشار تلك الأحياء الشعبية، والعشوائية في معظم مدن المملكة، فالتنمية يجب أن تحقق العدالة للأحياء السكنية، دون تفرقة بين الشمال والجنوب، القديم والحديث، ويفترض أن تكون أكثر تركيزاً على مراكز المدن الرئيسة والتاريخية، وأن لا تسمح بتخلف الأحياء وسقوطها في غياهب الفوضى السكانية التي تسمح للمخالفين باستغلالها وتهديد سكانها الفقراء، والأمن الوطني. يتحمل المواطنون جزءاً من المسؤولية في تأجيرهم منازلهم المهجورة إلى عمالة مخالفة طمعا في الدخل المالي، وقبولهم بتحول المنازل الصغيرة إلى مراكز إيواء لآلاف العمالة في مخالفة صريحة لاستخدامات المنازل ولأنظمة السكن والعمل الدولية. جملة مخالفات الأحياء الشعبية والعشوائية سمحت بإيجاد مدن الإيواء النموذجية لمخالفي نظامي الإقامة والعمل. وفرت لهم الأسواق ودور المعالجة الشعبية، وأماكن اللهو والترفيه، البريء والمحرم، وفرص العمل، وقبل كل ذلك الأمن والسكينة. اشتهرت بعض تلك الأحياء بتوفر أنواع المحرمات فيها، بدءاً من المسكرات ومروراً بالمخدرات وانتهاء بدور المتعة المحرمة. توسعت أحياء العمالة المخالفة حتى أصبحت مستعصية على الأمن، دخولها القسري يؤدي إلى سقوط ضحايا كثر، وتركها يعني الفساد والإخلال بالأمن. صمت الجهات المسؤولة عن الأحياء المخالفة في بداية ظهورها، والتهاون في القضاء عليها، أسهم بشكل مباشر في نموها وتحولها إلى قلاع لإيواء المخالفين والهاربين من وجه العدالة. أحداث مخالفي أنظمة الإقامة من الإثيوبيين أبرزت قضية «الأحياء الشعبية والعشوائية» المهملة من قبل غالبية الجهات الرسمية. ستنتهي قضية الإثيوبيين والعمالة المخالفة، بإذن الله، وستبدأ عملية فتح الملفات الأمنية والتنموية التي تسببت في تعاظم مشكلة المخالفين، وتهديدها أمن وسلامة الوطن. إذا كانت وزارة الشؤون البلدية والقروية مسؤولة عن تنظيم الأحياء، وتنميتها، وتخطيط المدن، فوزارة الداخلية معنية بتحقيق الأمن القومي، الذي يعتمد في بعض جوانبه على التنمية، وبخاصة تخطيط المدن وتنمية الأحياء وتوفير البيئة الصحية الآمنة للمواطن والمقيم. أجزم بأن الحكومة في حاجة ماسة إلى وضع إستراتيجية عاجلة للقضاء على الأحياء العشوائية في جميع مدن المملكة وبخاصة في مكةالمكرمة، جدة، الرياض، الدمام، والمدن الحدودية، وتطوير الأحياء الشعبية لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الأحياء النموذجية الجاذبة للسكان. بعض الأحياء الشعبية الواقعة في وسط المدن الرئيسة يمكن تحويلها إلى مواقع سياحية من الدرجة الأولى كما يحدث في الغرب. أحياء وسط الرياض، وجدة، والمدن الأخرى، تضم بين جوانبها عبق التاريخ، والأصالة، والثقافة والأحداث المهمة التي ساعدت على نشوء المملكة وتطورها. من الظلم ترك تلك المواقع المهمة بعيداً عن خطط التنمية. لو كان لي من الأمر شيء لجعلت من أواسط المدن الرئيسة مراكز التنمية، وقبلتها، فمن فرط في تاريخه، وأثره، تخبط في تنميته، وأضاع الدليل. تمثل الأحياء الشعبية والعشوائية خطرا محدقا بالأمن، ولعلنا نأخذ العبرة والعظة مما حدث في حي منفوحة الرياض، وهو أمر قد يحدث في جميع الأحياء الشعبية والعشوائية مستقبلا ما لم تسارع الحكومة في معالجتها، ووضع ميزانية خاصة لتطويرها وتحويلها إلى أحياء نموذجية تباهي بجمالها وتخطيطها وخدماتها الأحياء الجديدة.