أبعث برقاع الدعوة إلى جميع العقلاء؛ ليشاركوني التفكير في ظاهرة «التعجيم»، التي غدت مظاهرها سافرة متبرجة، لا يمنعها ولا ينكرها غيور، وأخشى أن يزدري الناس هيئة العربية، ويُسقطوا هيبتها، ومن ثم يصبح التعجيم معروفًا، وإنكاره منكرًا. سرت لوثة «التعجيم» في بعض الوزارات عندنا كما (سرى لعاب الأفاعي في مسيل فراتِ)، ولستُ مبالغًا فيما أقول، وليتأملْ ذو البصر والبصيرة ببصيرته وبصره في بعض جهاتنا الحكومية، وستلهبه شمس الحقيقة، حتى كادت إحداهن بخطاها التطويرية أن تستبدل «الجيم» ب»اللام»!! لقد تكاثرت مظاهر «التعجيم» حتى حار الغيور كما حار «خراشٌ»، وإني لأربأ ب «ظباء خراش» عن هذه المظاهر، فتلك تُصاد، وهذي تُصدّ. اصطفيتُ وزارة الصحة المسؤولة عن صحة الناس؛ لتكون رفيقتي في هذه المقالة، وإني أدعوها أن تعتنيَ بصحة «أمِّنا» وسلامة لغتنا التي تشكو من «الوهم بالضعف»، وهو مرض نفسيٌّ أوهمها به بعض أبنائها نعوذ بالله من العقوق، فحريٌّ بالوزارة أن تسعى إلى تطبيبها لا أن تسعى في تغييبها. في غداة أحد الأيام ذهبتُ بزوجتي إلى المستشفى لمراجعة الطبيبة من مرض ألمَّ بها، وعندما عادت أخذتُ منها التقرير الطبي؛ لأقرأه فأعرف ما أصابها، فوجدته «مُطَلْسَمًا» غير مفصح؛ حيث كُتب باللغة الإنجليزية، وأنا ذو بضاعة مزجاة في هذه اللغة ولا فخر، فسألتها عن الطبيبة، فأخبرتني أنها عربية، عندئذ (غامَتْ أعيني) ووددتُ لو أنها (تجاهلت السؤال). يُقذي عينَ كل غيور ويؤذي إحساسه لجوء كثير من الأطباء إلى اللغة الإنجليزية عند كتابتهم التقرير الطبي للمريض. وإذا بحثنا عمن يهمه أمر ذلك التقرير وجدنا أن الطبيب عربي، والمريض عربي، والصيدلانيّ عربي؛ فنتساءل حينئذ عن سر تعجيم التقرير! (ويسهر المرضى ويختصم الغيورون) فأرجو ألا (تنام الوزارة ملء جفونها عن شوارد السؤال). وهبْ أن الطبيب غير عربي، أو أن الصيدلاني غير عربي، فلماذا يسلب الطبيب حق المريض «وهو من يعنيه التقرير» ويتجاهل لغته ولغة الوطن؟! إن صحة لغة الأمة وحياة هويّتها لا تقلان شأنًا عن صحة أفرادها وحياتهم، فيجب على المسؤول عن صحة هؤلاء الأفراد أن يعتني بصحة لغتهم وحياة هويّتهم، أما إذا كان يهتمّ ببناء أجسادهم، ولا يبالي بهدم لغتهم وجرح مشاعرهم (فلن يبلغ البنيان يومًا تمامه). فعلى الوزارة أن تؤهل الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات غير العرب للتحدث باللغة العربية مع المرضى والمراجعين عبر الدورات التعليمية والتدريبية؛ حتى لا يُحمِّلوا المرضى عناء فهم لغة الأطباء فوق عناء آلامهم وأسقامهم. ونأمل من وزارة الصحة أن تُصدر قرارًا يُلزم جميع منسوبيها وبخاصة الأطباء والممرضين ونحوهم باستخدام لغة البلاد - اللغة العربية - نطقًا وكتابة، وإن كان قد أصدر القرار من قبل فنطالب الوزارة بأن تُخرجه من أدراج النسيان، وتضعه على منضدة التطبيق. حينئذ نذهب إلى مستشفياتنا الحكومية والخاصة لعلاج أمراضنا الحسية والمعنوية معًا. - الدلم