أُدرِجَت عملية «تصحيح وضع العمالة» ضمن العمليات الداعمة للاقتصاد؛ خاصة أن أهدافها الرئيسة ارتكزت على تنظيم سوق العمل، ومعالجة تشوهاته، والقضاء على بعض المشكلات الاقتصادية المرتبطة بالعمالة الوافدة، ومنها التستر، والسيطرة على قطاع المنشآت الصغيرة، وتضخم حجم الحوالات المالية، إضافة إلى الحد من الجرائم المالية، وفي مقدمها جريمة «غسل الأموال وتمويل الإرهاب». لأسباب إنسانية صرفة، قدمت الحكومة حسن النوايا، ومددت فترة التصحيح سبعة أشهر متتالية، كانت كافية لتصحيح أوضاع الجادين من مخالفي أنظمة الإقامة والعمل. الأرقام المعلنة من قِبل الجهات الرسمية تشير بوضوح إلى أعداد العمالة المهولة التي نجحت في تصحيح أوضاعها، أما العمالة المتبقية فهي الرافضة أصلاً لمبدأ التصحيح لأسباب مرتبطة بعدم قانونية دخولها المملكة. حملات تعقب المخالفين كشفت عن أهمية الجانب الأمني في القضية. أعمال الشغب والفوضى التي أثارها تجمع العمالة الإثيوبية داخل حي منفوحة في الرياض كشفت عن أهمية الجانب الأمني الذي طغى على الجانب الاقتصادي، الذي يُعتقد أنه المحرك الرئيس للحملة. تحوَّل حي منفوحة إلى ساحة شغب، أبطالها العمالة الإثيوبية، التي أظهرت عدائيتها المعتادة بعد أن أحست بالخطر؛ إذ لم تتردد في إراقة الدماء وإصابة المواطنين والتسبب في القتل. نجحت تلك العمالة المخالفة في التسلل عبر الحدود، والتغلغل، وإنشاء تجمعات في الأحياء الفقيرة، وتركزت في الرياض، جدة ومكة المكرمة، وبعض المدن الأخرى المتميزة بوفرة الفرص الوظيفية والغطاء المجتمعي للعمالة المخالفة. لم تكن العمالة الإثيوبية ضمن العمالة المرغوب فيها في سوق العمل؛ لذا يعتقد أن غالبيتهم دخلوا المملكة بطريقة غير مشروعة. لم تكن العمالة الإثيوبية الوحيدة التي تمكنت من عبور الحدود بطريقة غير نظامية؛ بل هناك جنسيات أخرى استطاعت عبور حدودنا الجنوبية والشمالية على السواء، وإذا ما أضفنا إليهم المتخلفين من الحجاج والمعتمرين يصبح مشهد العمالة المخالفة أكثر وضوحاً، وأشد خطراً على الأمن والاستقرار. شكَّل مخالفو أنظمة الإقامة خطراً على الأمن الداخلي، وعلى المجتمع؛ وتسببوا في نشر الجريمة، وكوَّنوا فيما بينهم جماعات متجانسة، وتزاوجوا بعيداً عن التسجيل الرسمي؛ ما أدى إلى ظهور جيل جديد من مجهولي الهوية، أطفال لا ذنب لهم، ترعرعوا في كانتونات مغلقة، لم يعرفوا المدارس ولا المستشفيات، دُفِعوا إلى الشوارع للتسوُّل أو السرقة أو ممارسة الرذيلة من أجل كسب المال. تجمعات محدودة، توسعت لتصبح مجتمعات متفرقة ومنتشرة على أطراف المدن وفي الأحياء الفقيرة المهملة من ملاكها ومن التنظيم البلدي والمراقبة الأمنية. تحولت الأحياء المهجورة إلى قنابل موقوتة تهدِّد المجتمع بأسره. قضية مخالفي أنظمة الإقامة تستوجب التوسُّع والاستمرارية في الحملات الأمنية وفق نظام التمشيط الجغرافي والتطهير العسكري؛ لضبط المتخلفين، وترحيلهم إلى أوطانهم وفق النظام الدولي. حماية الحدود والقبض على المتسللين شأن سيادي، يدعمه القانون الدولي، وينظمه؛ وهو مطبق (بأبشع) صوره في أوروبا وأمريكا، قدوة المعارضين للحملات الأمنية. برغم خطأ المخالفين ووجودهم غير القانوني إلا أنهم حصلوا على مهلة للتصحيح أو السفر دون تعرضهم للجزاءات والعقوبات النظامية. سبعة أشهر كانت كافية لو أرادوا ذلك، لكنهم رفضوها؛ وقاوموا رجال الأمن؛ وتسببوا في إثارة الشغب وإراقة الدماء؛ فهل تلام الحكومة بمواجهتهم!؟ قضية مخالفي أنظمة الإقامة قضية أمنية في الدرجة الأولى، وهي مقدمة على شؤون الاقتصاد؛ ما يستوجب تنفيذها بشمولية وحزم؛ لحماية البلاد والعباد من خطر المتسللين. بارك الله في جهود رجال الأمن وجهود المواطنين الشرفاء، ولا عزاء للمتخاذلين والمتنطعين والأفَّاكين المتخاذلين عن نصرة الوطن وحماية المواطنين.