ما أدراكم إن كان أحدهم يعلم أمراً فعلاً أم يكتفي بإطلاق المزاعم الزائفة؟ لقد كرّس الفلاسفة وقتاً طويلاً للتفكير في هذه المسألة واقترحوا عدداً من الأجوبة. وأرى الكثير من الفائدة لو أنّ الموظفين الذين يتبادلون أطراف الحديث في المطبخ أو في قاعات الاجتماعات يراجعون ويطبّقون الأفكار التي توصّل إليها الفلاسفة. ولعل الموقف التقليدي الأهم في نظرية المعرفة هو ذاك الذي يفيد بأنّ المعرفة كناية عن معتقد صادق تم تبريره. ووفقاً لهذا التعريف، لا يمكن للمرء أن يزعم أن معتقداته معرفة إلا إن كان هذا فعلاً صادقاً ومبرّراً ليظن المرء أنه صادق. وعلى سبيل المثال، من شأن مارك أن يزعم فقط أن ستيف يتلاعب بأرقام المبيعات، وذلك في الحالات التالية: 1) إن كان ستيف يتلاعب فعلاً بأرقام المبيعات (بالاستناد إلى واقع الحال) 2) إن كان مارك يملك سبباً وجيهاً جداً للاعتقاد بأن ستيف يتلاعب بأرقام مبيعاته (بالاستناد إلى التبريرات). وإن كان تبرير مارك لهذا المعتقد يفيد بأن ستيف أخرق وغريب الأطوار ظاهرياً، أرى أنه لم يضمن في تأكيداته أنه يعرف أن ستيف يتلاعب بأرقامه – حتى لو كان ستيف يتلاعب بها فعلاً. ويملك مارك حرية التخمين، وإصدار الاستنتاجات والنظريات التي تفيد بأن ستيف سيئ، ولكنه لا يمكن أن يزعم بشكل مشروع أنه يعرف الأمور على حقيقتها. وبالطريقة ذاتها، لا يمكن لخبير اقتصاد أن يتوقّع انكماشاً للأسباب الخاطئة وأن يزعم أنه يعرف بأن انكماشاً كان في المرصاد. ويتجّلى سؤال يُفترض طرحه في المرحلة التالية: «ما الذي يعتبر تبريراً؟» ما من جواب غير قابل للاعتراض على هذا السؤال، ولا أعتقد أننا بحاجة إليه. وبدلاً من ذلك، أؤمن أنه من شأن قاعدة الاختبار والتجربة المعرفيّة أن تساعدنا على حل المشكلة العملية، المتمثلة بالحكم على كيفية التعاطي مع أحد التأكيدات: فعندما يطلق أحدهم مزاعم، يكفي أن تسأل عما إذا كان واقعاً أو تأويلاً، ومن ثم متابعة المسألة من خلال طلب تبرير. وبعد ذلك، يعود عليك أن تقرر مدى الأهمية التي ينبغي توليها للمزاعم الصادرة، بالاستناد إلى مدى مصداقية التبرير بنظرك. وافترض أنك تتناول الغداء مع زملاء، فيقول أحدهم في سياق الحديث: «إنّ ماكس متعجرف وغير صادق ويحب التلاعب بالآخرين». هل هذا واقع؟ أم تأويل؟ ما التبرير لهذا الادعاء الشديد الوقع، الذي يطال أحد الزملاء؟ وإن يُطلَب أيّ تبرير، يبرز خطر حقيقي بأن يخلط بعض الجالسين على المائدة بين افتراض لا يستند إلى أي أساس وبين الحقيقة. وأرى أن عدم استباق هذا الكلام الذي قد يكون عارياً عن الصحّة هو ظُلم بحقّ ماكس. وإيّاك أن تنسَ أنك قد تكون أحياناً في موقع ماكس. وفي مرّات كثيرة، لا يكون سؤال «ما أدراك بذلك؟» مجرد تصرّف حسن من قِبلكم، بل عين الصواب الذي يجدر فعله. وقد يبدو الأمر بنظر الكثيرين منكم كإعلان لما هو جليّ للعيان. ولكنني غالباً ما أصادف حالات عُرِضَت فيها تأويلات على أنها وقائع، وأخشى أن يستوعبها الآخرون أحياناً على أنّها وقائع. وبالتالي، قبل أن تتجاهلوا هذا المقال، لاعتقادكم بأنني أكتفي بإظهار ما هو واضح للعيان، أرجو منكم أن تكشفوا عن مجريات الأمور وأن تسألوا أنفسكم: ما أدراك بذلك؟.