أكد مدير عام صندوق الأوبك للتنمية الدولية «أوفيد» ارتفاع نصيب الطاقة في عمليات الصندوق من 19% بشكل تراكمي إلى 30 % خلال العامين الماضيين.. وقال سليمان الحربش إنه في العام المنصرم، تم توقيع أكثر من 30 اتفاقية لمشاريع تتعلق بالطاقة، ثلثها على الأقل في الطاقة المتجددة، واستفاد منها عدد من الدول العربية من بينها المغرب وتونس والأردن وفلسطين واليمن والسودان وموريتانيا. وأضاف: هذا يبيِّن اقتناعنا بالدور الذي ينبغي أن تتبوأه مصادر الطاقة البديلة أو المتجددة متى كانت مجدية، انسجاماً مع مبادرة الطاقة المستدامة للجميع كما نادى بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد» الذي عُقد أمس بإمارة الشارقة بحضور ورعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة والذي يستمر إلى اليوم الثلاثاء. وشرح الحربش في كلمته التشابه بين اسمي «أوفيد» و»أفد»، «أوفيد» و «أفد» في أبسط مبادئ اللغة العربية فعلان يفيدان الحال والمستقبل، وكلاهما ينطوي على قيم ومعانٍ رفيعة، لكن التشابه لا يقتصر على الأسماء، وإنما يتجاوزها إلى الأفعال وإلى ما هو أعمق.. فالعلاقة بين المؤسستين هي لقاء العقول الذي يتمثَّل في تبني برنامج عمل هو الهاجس المسيطر على الساحة الدولية - والمنطقة العربية جزء من ذلك بطبيعة الحال - وأعني بذلك التنمية المستدامة. وقال: التنمية المستدامة التي نؤمن بها معاً تقيم التوازن بين الأركان المتفق عليها، وهي الركن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، ولا تغلب ركناً على آخر، وتأخذ في الحسبان مصالح الشعوب الفقيرة ومصائرها قبل كل شئ، بل إنها تلك التي تمحص المعلومة قبل أن تبني عليها أي حكم.. وكم من قرار سياسي في عصرنا هذا بني على معلومات مشوشة ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء. وتابع: إنَّ الطاقة بمفهومها العام كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، هي الخيط الذهبي الذي يربط بين أطراف التنمية المستدامة.. والطاقة المستدامة بالمعنى الذي أراده السيد بان كي مون، ومحدثكم عضو في المجلس الاستشاري المعني بتنفيذ مبادرته، هي التي من شأنها أن تعزز في الأمد البعيد التنمية البشرية بأبعادها الثلاثة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. واستعرض الحربش نبذة عن صندوق «أوفيد»، «هو صندوق الأوبك للتنمية الدولية في فيينا، واسمه يدل عليه فهو منظمة تنموية يديرها وزراء المالية في الدول الأعضاء، وهي الدول الأعضاء في منظمة أوبك ذاتها، ما عدا إكوادور التي انسحبت في وقت سابق وأنجولا التي انضمَّت إلى أوبك في وقت لاحق لإنشاء أوفيد. والغرض الأساس لأوفيد وفقاً «للحربش» هو تقديم العون المالي للدول النامية لتمكينها من تنفيذ برامجها الاجتماعية والاقتصادية مع الاهتمام بشكل خاص بالدول محدودة الدخل كما يعرِّفها البنك الدولي، وتمتد مساعداته إلى ما يزيد على 130 دولة نامية في كافة أنحاء العالم باستثناء الدول الأعضاء.. وأما الدول العربية فهي من بين الدول الشريكة، وجُملتها ثلاث عشرة دولة، أي 10% من مجموع الدول المستفيدة - منها سبعُ دول من ذوات الدخل المحدود.. ومع ذلك، فإن نصيب الدول العربية مجتمعة من نشاط أوفيد بشكلٍ تراكمي هو 22%. وأردف الحربش: لقد أثنيت ولا أزال على جهود الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي بدأت في أيلول - سبتمبر 2011 نحو إعلاء شأن الطاقة ووضعه في محل الصدارة من برامج التنمية، واهتمامه بما يزيد على 1.3 بليون نسمة يعانون من الفقر إلى مصادر الطاقة.. وسرد بعض الحقائق التاريخية التي تبرر حماسة «أوفيد» لمبادرة الأمين العام قائلاً: في تشرين الثاني - نوفمبر 2007 وليس 2011، استضاف خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - قمة أوبك الثالثة، التي صدر عنها بيان الرياض، الذي دعا في أحد بنوده إلى أن تتبنى صناديق التنمية في الدول الأعضاء برنامجاً يربط التنمية المستدامة بالقضاء على الفقر إلى مصادر الطاقة، وفي تلك الآونة، كان مفهوم الفقر إلى مصادر الطاقة يرد في الأدبيات التي تبحث هذا الموضوع، أما أن يصدر بيان ينادي باجتثاث الفقر إلى مصادر الطاقة عن مؤتمر على هذا المستوى فهذا أمر جديد، وقد طُلب إلينا استكشاف هذه المشكلة وأساليب حلها.. وتابع: في شهر حزيران - يونيه 2008، دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز - سلمه الله - مرة أخرى إلى مؤتمر طارئ يجمع منتجي الطاقة ومستهلكيها في جدة، أطلق خلاله مبادرة الطاقة للفقراء Energy For The Poor، ودعا مجلس وزراء أوفيد إلى النظر في تخصيص بليون دولار أمريكي لهذا الغرض، وقد أخذنا هذه المبادرة على أنها خطة عملٍ غايتُها تطبيقُ ما ورد في قمة الرياض المشار إليها. وأبان الحربش: اكتسبت هذه المبادرة ما تستحقه من سمعة دولية، إذ تبنتها قمة الثماني ومجموعة العشرين، وفي كانكون بالمكسيك تبنى المؤتمر الوزاري لمنتجي الطاقة ومستهلكيها في عام 2010 اقتراحاً من أوفيد مؤداه اعتبار القضاء على الفقر إلى مصادر الطاقة الهدف التاسع من أهداف الألفية The Millennium Development Goals (MDGs)، التي جاءت خلواً من أي إشارة إلى الفقر إلى مصادر الطاقة. وقال: في عام 2011 وافق المجلس الوزاري ل «أوفيد» على تخصيص بليون دولار لتغذية موارد المؤسسة، وفي 2012، صدر إعلان وزاري من هذا المجلس يقضي بتخصيص بليون دولار كحدٍ أدنى للقضاء على الفقر إلى مصادر الطاقة، وسافرتُ لإعلان هذا القرار في قمة ريو زائد 20 في اجتماع حضره السيد بان كي مون، وقد قرر المجلس الوزاري هذا العام أن يتجدد هذا المبلغ بصورة دورية، ولهذا ارتفع نصيب الطاقة في عمليات أوفيد من 19% بشكل تراكمي إلى 30% خلال العامين الماضيين، وفي العام المنصرم، وقعت أكثر من ثلاثين اتفاقية لمشاريع تتعلق بالطاقة، ثلثها على الأقل في الطاقة المتجددة، واستفاد منها عدد من الدول العربية من بينها المغرب وتونس والأردن وفلسطين واليمن والسودان وموريتانيا.. وهذا يبيِّن اقتناعنا بالدور الذي ينبغي أن تتبوأه مصادر الطاقة البديلة أو المتجددة متى كانت مجدية، انسجاماً مع مبادرة الطاقة المستدامة للجميع كما نادى بها السيد بان كي مون. وأوضح مدير عام «أوفيد»: لقد شهدت مصادر الطاقة المتجددة معدلاتِ نموٍ مدهشةً خلال العقد الماضي على وجه الخصوص في الدول المتقدمة، متكئة على الكثير من الدعم الحكومي بصور مختلفة، وهذا أمر نحمده ونقدره لما لهذه المصادر من مزايا بيئية إيجابية؛ غير أننا في الوقت ذاته نؤمن بأن الدول النامية ولا سيما الأشد فقراً منها ينبغي ألا تحرم من مصادر الطاقة التقليدية في انتظار أن تتمكن مصادر الطاقة المتجددة من الأخذ بزمام السوق بشكل كامل. وإلى أن يحين الوقت الذي فيه تستطيع الدول النامية الاعتماد على المصادر المتجددة لتلبية جزء مهم من احتياجاتها إلى الطاقة، فإننا نعتقد أن المضي قدماً على طريق مكافحة الفقر إلى مصادر الطاقة يتطلب التركيز على تطوير النفط والغاز الطبيعي وإنتاجهما، ونقلهما، وتكريرهما، وتوزيعهما بكفاءة، واعتمادية عالية، وتكلفة مناسبة، وبطريقة مستدامة.. فالتوقعات تشير إلى أن النفط والغاز سيظلان، في المستقبل المنظور، مصدرَي الطاقة اللذين يساهمان في سد نسبة كبيرة من احتياجات الطاقة العالمية، تصل إلى حدود اثنين وخمسين في المئة في عام 2035، استناداً إلى تقديرات وكالة الطاقة الدولية. وأضاف: إننا في أوفيد نعتقد أن التنمية المستدامة ينبغي أن تستهدف فراغاً تنموياً يقع بين «سقف» حماية البيئة وبين «أرضية» النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى وجه من أوجه التوازن، كان إلى وقت قريب غائباً عن الأذهان، وهو ذاك المتعلق بالترابط الوثيق بين الغذاء والمياه والطاقة، فالاستخدام المستدام للمصادر الطبيعية يحتم أن تعالَج قطاعات الغذاء والمياه والطاقة بمنهجية كلية تأخذ في اعتبارها أن الفعل في أحد هذه القطاعات غالباً ما يكون ذا تأثيرات عميقة على القطاعين الآخرين.. وذكر الحربش مثالاً في هذا السياق، وهو الآثار السلبية الكبيرة التي سببها التوسع غير المسؤول في إنتاج الجيل الأول من الوقود الحيوي في النصف الثاني من العقد الماضي على أسعار الغذاء العالمية، وعلى الأخص في الدول النامية. وتحدث الحربش عن التحديات التي يُشكّلها الترابط الوثيق بين الغذاء والمياه والطاقة على استدامة التنمية قائلاً إنها تحديات تواجهها كل مناطق العالم، وإن كانت بعض المناطق أشدَّ تعرضاً لتلك المخاطر.. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ينبغي ألا يغيب عن الذهن أن توفير إمدادات الطاقة المستدامة ليس التحدي الوحيد الذي يواجه المنطقة في الأمد البعيد، وإنما تأتي قضايا ندرة المياه الصالحة للشرب وللزراعة في مقدمة هذه التحديات. وقال: في الوقت الذي ينتقل فيه العالم من أهداف الألفية الثمانية أو التسعة إذا ما عدّدنا الحد من الفقر إلى مصادر الطاقة أحد هذه الأهداف، إلى صياغة أهداف التنمية المستدامة SDGs ابتداءً من عام 2015، وهي كما قدّمت تعتمد الطاقة محوراً أساسياً لها مثلما أن الغذاء والماء من أهم أولوياتها، فإنه لا بد من التذكير مجدداً بأن الفقر هو السبب في معظم المشاكل البيئية في الدول النامية.. وهذا ما أشار إليه إعلان ستوكهولم الصادر عام 1972، الذي تنص فقرته الرابعة على In the developing countries most of the environmental problems are caused by under-development. أما بيان قمة أوبك الثانية في كاراكاس عام 2000 فقد نصّ على أن أكبر مأساة بيئية تواجه العالم هي الفقر، والفقر بكافة أشكاله هو مشكلة اجتماعية اقتصادية بيئية، والأهم من هذا كله، فهو مشكلة أخلاقية.. وذكر الحربش في نهاية كلمته أن شعار أوفيد هو «متحدون ضد الفقر».