يأتي المعرض الشخصي للفنان السعودي عبدالناصر غارم في لندن مشتملا على عدد من الأعمال، بعضها قديم وآخر جديد حمل الكثير منها عبارات وكلمات بعضها من القران وأخرى لصور التقطت من مواقع وأحياء في الوطن، حاملة رموزا وتلميحات سياسية تبقى تفسيراتها في قلب الفنان، كما المعنى في قلب الشاعر، هيأ للمعرض حملة عبر أحاديث للفنان لبعض وسائل الإعلام الغربية، ألمح أن لتلك الأعمال علاقة بسلوكيات في مجتمعه. وقبل أن ندخل في التفاصيل الفنية لمستوى العرض الذي نفذ بأكمله بالوسائط وببرامج الحاسوب نطرح السؤال.. ما الغرض من ملامسة أعمال عبدالناصر غارم للدين باستخدام كلمة التوحيد وبكلمة إن شاء الله، وماذا عن ملامسة الوطن بنشر صور المنازل المهدمة ،وإضافة عبارة منزوع عليها، ولماذا يتجنب غارم في الحوارات أو المقالات العربية التعريف بما يقصد من معرضه، بينما يسهب في الحديث عنه في لقاءاته في بعض الإعلام الغربي. بشكل عام تظهر رسالة المعرض متعددة الموضوعات والتقنيات، حملت (أفكار) الفنان ونفذت بأيدي حرفيين، اهتم في دعايته للمعرض بالادعاء بأنه اضطر للعرض في الخارج لعدم فهم من في بلده للفنون المعاصرة الذي يحرّم ممارسة الفنون ويعتبرها خطيئة مما جعله -كما يقول- يمارس الفن لسنوات في سريّة خوفاً من انتقادات مجتمعه (من حوار للفنان مع: أبيجيل إسمان، بعنوان «عبدالناصر غارم وحافة الجزيرة العربية: يفتحان من الشرق الأوسط للغرب الأوسط فسحة للفهم»، شئون ثقافية، مجلة آرت إنفو، نشر بتاريخ 10-10-2013م)، مع أنه خصص حائطا كبيرا في المعرض لعرض مقالات وصور نشرت عنه سابقاً في صحف محلية وعربية تكشف عكس ما قاله من عدم فهم مجتمعه للفنون.. كاموفلاج أو تمويه. من الأعمال القليلة الجديدة في المعرض (كاموفلاج) أو (تمويه) الذي استلهم فكرتها من أساليب التمويه التي كما يقول استقاها من تمويه الآليات العسكرية وما قاله أيضا للقناة العربية من أن أسلوب التمويه أصبح سمة الثورات والأنظمة العربية، صوّر غارم في هذا العمل حائط مغطى بزخارف هندسية إسلامية تمويهية، صرّح بأنها وحدات ترمز للسنة والشيعة أخفى تحت الزخرفة صورة لدبابة حربية تحتل الجزء الأيسر من العمل، أغلقت فوهتها التي تتوسط المحراب بزهرة صفراء. وعند النظر للعمل عن قرب يتضح أنه يتشكل من أختام مطاطية تمثل حروفا عربية وإنجليزية عشوائية، لكنها تتضمن عبارات معكوسة يمكن قراءتها باستخدام المرآة، منها ما يُقرأ (Battle for the future of the Muslim world)... أي (أنها المعركة من أجل مستقبل المسلمين في العالم)، ومنها ما يُقرأ (It may be that idealism requires naivete to survive) بمعني (على ما يبدو فإن تلك المثالية -مشيراً للفكر الإسلامي- تحتاج إلى الجهل من أجل البقاء). ويعلّق على هذه الفكرة في مقابلة بثتها القناة الرابعة البريطانية، قائلاً إن أعماله تناقش قضية الدين والعنف التي أسماها بالجهل المقدّس holy ignorance، لذا يهدف من هذا المعرض كما يقول إلى خلق منصة تشجع الناس إلى إحداث التغيير في المملكة (من مقابلة شخصية للفنان بثت في نشرة أخبار القناة الرابعة البريطانية التابعة للبي بي سي بعنوان: الفنان الروك ستار السعودي، القناة الرابعة، بي بي سي، بثت بتاريخ 9-10-2013م. غارم وعقدة الأختام الفكرة في استخدامه للحروف المطاطية بدأت منذ زمن بعيد وتطورت ليصنع ختماً شهيراً يحمل عبارة (إن شاء الله) نفذه في نوبة غضب، إثر رفض رعاة معرض سابق أقامه في لندن عرض عمله (منزوع) لما يحمله من إساءة للمملكة (انظر دليل فنون الخليج العربي: روبرت كلوفيفر، نشر بتاريخ سبتمبر 2012م؛ ثم ختم (آمين) مع عبارة ساخرة (Have a bit of Commitment) وتعني (تحلّى بقليل من الالتزام) التي أزال منها في ترجمتها العربية فعل الأمر (تحلّى)، وكأنه يلطف من وقعها، ليصل إلى ختمه الأخير، وهو (مجاز من الهيئة الشرعية) الذي يرمز فيه إلى ارتكاز المسلمين عامة والسعوديين خاصة على قوانين بالية في كل أمورهم، حسب ما ورد في مقابلته مع جريدة الفينانشال تايمز. (من حوار للفنان مع: جاريث هاريس)، نشر بتاريخ 11-10-2013م: وقد ختم الصفحة الأخيرة من كتيب معرضه بهذا الختم للإشارة إلى أن هذا الإصدار مجاز من الهيئة الشريعة. الطريف في الموضوع أنه حين سئل - في مقابلة تلفزيونية (سبق ذكرها) - عن سبب انزعاجه من الأختام قال إنك في السعودية تحتاج إلى ختم على أوراقك الثبوتية، فشهادة ميلادك ووثيقة زواجك وغيرها لابد من ختمها ومصادقتها وهذه بيروقراطية.. فهل يعرف غارم دولة متحضرة في العالم لا تستعمل أختاماً على الوثائق التي أشار إليها؟ رمزية كلمة (منزوع) عرض في جانب كبير من المعرض ملصقات وصورا لخرائب وأراضي في المملكة، قام الفنان بالكتابة عليها بعبارة (منزوع) على هذه المواقع، وعلى ظهر قميصه الأحمر وقمصان عدد من الأطفال الموجودين في الصور، وصور أخرى جرافات تقوم بالهدم ولوحات لأرقام منازل (لا نعلم إلى ما يرمي إليه بكلمة منزوع وعلاقتها بتلك المنازل)، وماذا يهم الجمهور الغربي منها، إضافة إلى عمل تبرز فيه زخرفة لخزانات النفط بعبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) و(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، عرضت بين مجموعة أعماله الأخرى التي تتحدث عن تفجيرات سبتمبر، ما يثير الكثير من التساؤلات عن سبب الربط بينهم، وما علاقة تلك العبارات بالبترول، مع ما أشار إليه في مقابلته التلفزيونية - السابق ذكرها- إلى أنه واثق 100% أن شهرين فقط كافية لغسل أدمغة الشباب المسلم للقيام بالعمليات الإرهابية. باختصار المعرض يحمل صوراً وتلميحات، تحمل الكثير من الغرابة، خصوصاً إذا ربطت بتصريحات الفنان وأحاديثه التلفزيونية تتوافق مع نمطية كل معارض، مؤسسة حافة الجزيرة التي تشتهر بتخبط وتشتت الرسالة والتناقضات والاعتماد على التهويل للتسويق وضعف المستوى العام للتنسيق والإخراج. الجدير بالذكر أن المؤسسة المنظمة للمعرض تعمّدت عدم تقديم أي تعليق مكتوب على أعمال الفنان عبدالناصر، سواء في الكتيب أو بجوار الأعمال، كما أن طريقة (DIY) أو اصنع بنفسك التي يتبعها المنظمون كل مرة في تعليق قصاصات الصحف والكتابة على الجدران أصبحت مجالا للتهكم يجب أن يخجل منها المنظمون.