دعا اقتصاديون إلى ضرورة انعاش العديد من القطاعات الاقتصادية التي ستمثل إضافة قوية لتنويع مصادر الدخل في المملكة، وبالتالي تعزيز صلابة وقوة الاقتصاد الوطني، مؤكدين أن وتيرة الإنجاز فيما يتعلق بتنويع المصادر متباطئة، وأقل مما هو مستهدف في الخطط الخمسية. وقالوا إن إستراتيجية تنويع مصادر الدخل يجب أن تتبنى هذا التوجه خصوصاً وأن عمرها تجاوز الأربعين عاماً, ومثلما أنها حقق نجاحات فلديها إخفاقات يجب أن تعمل على تجاوزها. وأبانوا أن تحسن التصنيف الائتماني للمملكة يعتمد اعتماداً كلياً على الاقتصاد، إذ وصلت المملكة في التصنيفات الأشهر عالمياً, ستاندرد آند بورز, وفيتش، وموديز إلى المرتبة (AA-) في التصنيفات الثلاثة (حالة مستقرة مع نظرة موجبة). وتعود فائدة الحصول على مرتبة أعلى في هذه التصنيفات كأحد عوامل جذب الاستثمارات الخارجية إلى أي دولة، إضافة إلى هدفها الرئيس وهو قياس مدى قدرة الدولة المقترضة على الوفاء بالتزاماتها لدى الجهة المقرضة. وفي هذا الجانب قال المدير التنفيذي لفيتش, توني سترينجر إن المملكة لديها الإمكانية لترفع من معدلها في تصنيف فيتش خلال الأشهر الثمانية عشرة القادمة. ولرفع هذا المعدل الائتماني شدد الاقتصاديون على أهمية تنويع مصادر الدخل, موضحين بأن هناك إقراراً حكومياً بضرورة التنويع، لكن ما يؤخذ أن وتيرة الإنجاز متباطئة وأقل مما هو مستهدف في الخطط الخمسية. وقال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن تحسن التصنيف الائتماني يعتمد اعتماداً كلياً على الاقتصاد بشكل عام, وأن الجوانب المالية هي التي تؤثر التأثير الأكبر في التصنيف. وقال: حتى ترفع المملكة من تصنيفها الائتماني يجب تنويع مصادر الدخل لأن اعتماد المملكة على الإيرادات النفطية لتمويل الميزانية (92%) يعد خطراً مالياً في المستقبل في حال حدوث أي تغير لأسعار النفط. مشيراً إلى أن الاحتياطيات المالية للمملكة حالياً قد تكون سنداً لأي متغيرات مستقبلية، لكن هذه الاحتياطيات تتأثر بعاملين أساسيين; هما قدرة تمويل هذا الاحتياطي مقيدة بفترة زمنية غير مستمرة، وضبابية عنصر الأمان في هذه الاستثمارات الخارجية. فمثلاً ترسل الولاياتالمتحدة إشارات أن لديها مشكلة في الوفاء بالتزاماتها في جانب السندات. أيضاً أن لديها مشكلة في عملية الدين العام، فضلاً عن عدم استقرار الاقتصاد العالمي. وقال إن السبيل للخروج من هذه الحلقة هو توسيع قاعدة اإنتاج وتنويع مصادر الدخل وتحول الاقتصاد الريعي إلى إنتاجي. واعتبر البوعينين الجهود الحكومية في تنويع مصادر الدخل أمراً جيداً، لكن هناك حاجة إلى خطوات أكثر سرعة مما هي عليه اليوم. وأضاف: القطاع المصرفي في حاجة إلى أن يكون أكثر استقراراً وقوة على الرغم من أنه من أفضل القطاعات على مستوى العالم بحسب الشهادات العالمية. ويرى البوعينين مرجع الخطورة في النظام المصرفي أن البنوك تعتمد على القروض المقدمة إلى الشركات الكبرى، وهي قروض كبيرة الحجم قد تؤثر على البنوك في حال تعثرها، كما حصل سابقاً مع القصيبي والصانع. وبالتالي سيصل التأثير إلى البنوك بأكملها، لذلك يجب على البنوك ومؤسسة النقد مراجعة القروض الكبرى المقدمة لهذه الشركات، وأن تراجع مواقفها المالية وقدرتها على السداد والإيفاء بالتزاماتها مستقبلاً. وأشار البوعينين إلى عنصر مهم لرفع التصنيف الائتماني، وهو الموانئ السعودية من خلال حاجتها إلى إعادة تطوير وإعطائها مزيداً من الصلاحيات، لأنها قادرة على تحقيق دخل إضافي كبير للحكومة لو أنها استثمرت فيها الاستثمار الحقيقي. وقال: لا يمكن أن يكون القطاع المتحكم في الصادرات السعودية بأكملها والواردات أن يكون مؤسسة، وليس هيئة مستقلة يرأسها رئيس مستقل مرتبط بالحكومة، وليس وزارة. وسنجد بأن هذا القطاع يحقق إيرادات ضخمة للمملكة، كما يحدث في موانئ أخرى في المنطقة تعتمد عليها الدول في تحقيق إيراداتها. ويرى البوعينين أن المملكة في حاجة إلى خلق مناطق حرة ستشكل مصدراً من مصادر الدخل الرئيس في المملكة، وستساعد كثيراً في حركة التجارة. ولكن مثل هذه المناطق لا يمكن أن تقام إلا عندما تكون هناك موانئ ذات كفاءة عالية في التشغيل. وعلى ذات السياق يعد الدكتور إحسان أبو حليقة أن تنويع مصادر الدخل يعد حجر أساس في رفع التصنيف الائتماني. وقال إن إستراتيجية تنويع مصادر الدخل عمرها يتجاوز الأربعين سنة وتكاد تلامس الخمسين سنة, وهناك نجاحات حققتها هذه الإستراتيجية، كما أن لديها إخفاقات. وقال: تتلخص هذه الإنجازات في الصناعات البتروكيماوية والأسمنت وإشراك القطاع الخاص في القطاع الصناعي من خلال صندوق التنمية، لكن هناك قطاعات أخرى لم يجر استغلالها، ولذلك بقيت ضامرة، مثلاً السياحة (مصدر مهم في الدخل الوطني) يمثل 2.5% من الناتج المحلي. وقال إن الدعم الحكومي للمشروعات غير النفطية مهم جداً في عملية التنويع وألا يكون العم مالياً فقط وإنما من الجانب الاستشاري أيضاً، كما يحدث في صندوق التنمية الصناعي الذي لم يساهم فقط في منح المال لتشجيع المستثمرين بل كانت لديه عمليات مراقبة ومتابعة للتأكد من حسن الإنجاز فضلاً عن الإعفاءات الجمركية لمدخلات الإنتاج. وأكد أبوحليقة أن الكثير من الأنشطة غير النفطية بالإمكان دعمها لتحقيق وفقاً لما تطمح إليه الإستراتيجية الوطنية للتنويع الاقتصادي. وقال هناك فرص اقتصادية مواتية للمملكة في العديد من القطاعات ومهمة الجهات المعنية في أي اقتصاد نامي كالمملكة أن تساهم في الاستفادة من هذه الفرص. وأضاف: عندما تصبح مساهمة القطاعات الاقتصادية غير النفطية منافسة للنفط بل تتجاوزه، فذلك يعني أن الاقتصاد السعودي بدأ يعتمد على الإنتاج وتوليد القيمة أكثر منه على ريع النفط وبالتالي تصبح الموارد البشرية المواطنة لديها من القدرة والمهارة أن تنتج وأن تنافس بحيث تستطيع أن تعزز صادرات المملكة من السلع والخدمات. وحتى يتحقق هذا الهدف فإن المملكة في حاجة إلى وقت طويل. وقال هناك إقرار حكومي بضرورة التنويع لكن ما يؤخذ أن وتيرة الإنجاز متباطئة أقل مما هو مستهدف في الخطط الخمسية, مضيفاً أن السبب الرئيس لهذا التباطؤ هو عدم الاهتمام بكل القطاعات بمثل الاهتمام بقطاع الصناعات التحويلية. وقال أبو حليقة أن البنوك السعودية تحقق أرباحاً وتنمو ولكن القطاع المالي ليس مجرد بنوك تجارية. ومن المؤمل أن يحقق القطاع نمواً في حال إطلاق خدمات التمويل العقاري, لأنه يعد جزءاً من أنشطة القطاع المالي. فيما يرى المحلل المالي محمد الضحيان أن رفع الائتمان المالي لأي دولة يتطلب عادة نواحي نقدية، لكن بالنسبة لوضع المملكة ليست مالية بل قانونية. ويطالب الضحيان بضرورة أن تسير المملكة على خطى الدول المتقدمة من خلال فتح باب التملك للمستثمرين في المملكة في غير مكةالمكرمة والمدينة والمنورة. والأمر الثاني عملية تملك الأسهم، إذ إنه ليس هناك لدى المملكة حرية في فتح السوق، وهذا يجعل السوق السعودية غير قادرة على التناغم مع دول العالم الآخر. وأوضح الضحيان أن هناك ضرورة لتقليل إدارات المحاكم المهتمة بالأمور التجارية في المملكة، وقال: لا نزال أمام أكثر من محكمة للقوانين حيث لدينا ديوان المظالم ولدينا وزارة العدل ولدينا اللجنة المصرفية العليا، ولدينا محكمة الأوراق المالية, ولدينا لجنة المخاصمات التجارية. يعني لكل قاعدة عندننظام، وهذا يتخالف مع الأنظمة العالمية، فلا بد أن نكون دولة حضارية متقدمة، وأن لا نظل دولة غنية فقط وليس لنا علاقة بقواعد اللعبة الاقتصادية.