نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -، افتتح وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أمس مقر المجلس النقدي الخليجي في العاصمة الرياض بحضور وزراء المال ومحافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني، وعدد من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال في دول الخليج، وتأتي هذه الخطوة تتويجاً لجهود مجلس إدارة المجلس النقدي خلال الفترة الماضية في تهيئة وتجهيز متطلبات المرحلة التأسيسية وإعداد متطلبات البناء المؤسسي للمجلس بما في ذلك الجوانب الإدارية والتنظيمية والأنظمة الداخلية واللوائح التنظيمية الأساسية المطلوبة لقيام الاتحاد النقدي وعلى الأخص إنشاء البنك المركزي الموحد وإرساء قدراته التحليلية والتشغيلية. وفي كلمة بهذه المناسبة أكد وزير المالية العساف أن رعاية خادم الحرمين الشريفين لحفل افتتاح مقر المجلس النقدي الخليجي تأتي تأكيداً على حرصه - أيده الله - والتزام المملكة بكل ما يسهم في تعزيز التعاون والتكامل الخليجي والوصول إلى مرحلة الاتحاد الخليجي التي دعا لها في الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي المنعقدة في الرياض بتاريخ 19 ديسمبر 2011 إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ولا شك أن افتتاح هذا المقر يعد خطوة مهمة في مسار الاتحاد النقدي». وأضاف :» ومن هذا المنطلق صدر قرار الدورة ال 29 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون المنعقدة في مسقط عام 2008 باعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي، وقد صدر أمر ملكي في 11 / 9 / 1430 ه بموافقة المملكة على هذه الاتفاقية، وقد حرصت المملكة - دولة مقر المجلس النقدي - على دعم جميع مراحل الاتحاد النقدي، وبذلت جهودها لتهيئة الظروف الملائمة لقيامه، ومن أجل إنجاح هذا المشروع جهزت مؤسسة النقد العربي السعودي بالتنسيق مع وزارة المالية مبنى المقر بجميع المتطلبات الأساسية والتعاقد مع كبرى الشركات الرائدة في هذا المجال ونتطلع لانتقال المجلس إلى مقره الدائم في مركز الملك عبد الله المالي». وتابع العساف قائلا: «في مجال الجهود الرامية لتسريع عملية قيام المجلس وتحقيق أهداف الاتحاد النقدي، بدأ المجلس النقدي الخليجي مع الجهة الاستشارية بالعمل على مراحل التأسيس المحددة للمجلس حيث قامت الجهة الاستشارية بدراسة الأهداف المنصوص عليها في نظامه الأساسي، وتعريف المهام العلمية والقضايا الاستراتيجية للتأكد من توافق مهام المجلس مع رسالته العامة وأهداف الاستراتيجية، وضمن هذا الإطار يقوم المجلس النقدي الخليجي بترتيب العديد من ورش وفرق العمل لمتابعة أعمال الجهة الاستشارية وبمشاركة الدول الأعضاء، كما بدأ المجلس النقدي ممثلاً بالجهاز التنفيذي في إجراءات التوظيف والتعاقد مع شركات التوظيف ذات الخبرة لاستقطاب الكفاءات البشرية مع التركيز على الكفاءات الوطنية الخليجية». وشدد وزير المالية على أن التحديات التي تعيشها منطقتنا تؤكد أهمية التعاون والتكامل بين دولنا مما يحتم علينا جميعاً مضاعفة الجهود لتحقيق التكامل الاقتصادي من خلال استكمال أركانه المتمثلة بالاتحاد الجمركي، السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي وهذا يتوافق مع ماتضمنه الاتفاقية الاقتصادية من أهمية تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، لافتا إلى أن الاتحاد النقدي يمثل اللبنة الأخيرة في هذا المشروع المهم من أجل إحراز مستوى عالٍ من الاستقرار المالي والنقدي وإيجاد كتلة اقتصادية قادرة على التفاوض والمنافسة على مستوى الدولي، وستسهم هذه المشاريع في زيادة معدلات النمو الاقتصادي والتوظيف وسهولة انتقال الاستثمارات بين دول المجلس واستقطاب الاستثمارات الأجنبية إليها، متمنياً للمجلس النقدي التوفيق وأن يكون هذا المقر بيئة مناسبة له لكي يؤدي المهام المناطة به وأن يوفق في تحقيق طموحات أبناء دول الخليج. من جهته، رفع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي رئيس مجلس إدارة المجلس النقدي الخليجي الدكتور فهد المبارك الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - على ماقدمته حكومة المملكة من دعم وتسهيلات لإنشاء واستضافة مقر المجلس النقدي الخليجي في مدينة الرياض، معربًا عن شكره لقادة دول مجلس التعاون على جهودهم ودعمهم لكل مافيه تعزيز التكامل الاقتصادي وتنسيق السياسات الاقتصادية لدول المجلس. وأكد المبارك، أن هذا المجلس سيسهم - بإذن الله تعالى - في تعزيز أطر التعاون النقدي بين دول المجلس النقدي الخليجي مرتكزاً على منهج البناء المؤسسي الذي يعمل نحو دفع مسيرة الاتحاد النقدي إلى الأمام، إذ يشكل هذا المجلس اللبنة الأولى لمؤسسات الاتحاد النقدي، كما نوه بالجهود المتواصلة التي يقدمها مجلس إدارة المجلس النقدي لبناء وتطوير أعمال المجلس مع التركيز في اجتماعاته المتتابعة على تلبية متطلبات هذه المرحلة التأسيسية لترسيخ البناء المؤسسي ورسم الاستراتيجيات والخطط التشغيلية اللازمة لاستكمال متطلبات الاتحاد النقدي بين الدول الأعضاء، وتنسيق السياسات الاقتصادية وتوفير الإحصاءات الوطنية للدول الأعضاء، وأوضح محافظ مؤسسة النقد أن الهدف الرئيس من الاتحاد النقدي هو تحقيق أعلى درجات التكامل الاقتصادي لكل ما فيه مصلحة ورفاه المواطن في الدول الأعضاء والتغلب على التحديات التي تواجه المنطقة، متطلعًا لأن يشكل الاتحاد النقدي نقلة نوعية في آليات القرار الاقتصادي المشترك باستناده على منظومة تشريعية ومؤسساتية متميزة. وفي موضوع ذي صلة، طمأن وزراء المالية الخليجيون بأن اقتصادات دول مجلس التعاون في مأمن من أي تداعيات مباشرة للتقلبات والأزمات الاقتصادية العالمية وذلك بفضل السياسات الاقتصادية المتحفظة المتبعة من قبل الدول الأعضاء. جاء في تصريح أدلى به ل«الجزيرة» الشيخ أحمد آل خليفة وزير المالية البحريني عقب الاجتماع المشترك بين لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول المجلس وصندوق النقد الدولي في الرياض أمس. حيث تم استعراض ورقة للصندوق بشأن السياسات المالية والتحديات بدول المجلس في ظل التطورات الاقتصادية والمالية على المستوى الإقليمي والدولي ومدى تأثيرها على دول المجلس. وأوضح آل خليفة، أن مشاركة صندوق النقد الدولي في مثل هذا الاجتماع تعطي دول مجلس التعاون فرصةً للاطلاع وتدارس القضايا المالية والاقتصادية الدولية والتحديات التي تواجه العالم على كل المستويات وكيفية التعامل معها، معربا عن ثقته بالمستوى المستقر اقتصاديًا وماليًا الذي تعيشه دول المجلس بسبب السياسات الاقتصادية المتحفظة المتبعة، والتي تركز في الوقت ذاته على إشعار المواطن الخليجي في نهاية المطاف بهذا الاستقرار والثبات في عالم يشهد الكثير من الأزمات والاضطرابات، وهو ما لمسناه خلال السنوات الماضية من استمرار في نمو اقتصادات المنطقة. ولفت وزير المالية البحريني أن المجتمعين بحثوا أمس مع ممثلي صندوق النقد الدولي الكثير من القضايا الاقتصادية والمالية العالمية، مشيرًا إلى أن الاجتماع كان فرصة لدول المجلس والصندوق لتبادل الآراء لبحث المواضيع الأساسية وقضايا التعاون التي تشكل في مجملها فرصًا لتحسين مستويات المعيشة ومناقشة التحديات التي تواجه المنطقة والعالم. وقال: إن الاجتماع المشترك إلى جانب اجتماع وزراء المالية شهدا بحثًا معمقًا لجميع القضايا المطروحة على جدول الأعمال لبحثها ومتابعتها بهدف الوصول إلى طموحات قيادات دول مجلس التعاون. وعبر آل خليفة عن سعادته بافتتاح مقر مجلس الاتحاد النقدي الخليجي بالرياض الذي وصفه بالحدث المهم والتاريخي لدول المجلس، معربًا عن أمله في تكامل السياسات الخليجية في سبيل إيجاد فرص للنمو الاقتصادي بين الدول الأعضاء تنعكس إيجابًا على المواطن الخليجي والتعامل مع كافة التحديات الحالية والمستقبلية. وتابع: إن المواطن الخليجي يلمس بوضوح مدى الاستقرار الاقتصادي الذي تعيشه دول المجلس في ظل اقتصاد عالمي مضطرب وفي ظل توافر فرص التعليم والعمل في المؤسسات الصغيرة والدعم الذي يجده المواطن، معربا عن أمله في أن تتواجد دول مجلس التعاون الست في منظومة الوحدة النقدية الخليجية، ومبديًا في الوقت ذاته تقديره لوجهات النظر لكل دولة على حدة. وأشار آل خليفة، إلى أن دول المجلس تعمل على توحيد الأنظمة والتشريعات اللازمة ودائمًا ما تكون هناك وجهات نظر من خارج دول المجلس ترى أن العمل لا يسير بالسرعة المطلوبة، إلا أن دول المجلس ترى العكس من ذلك حيث إن هناك الكثير من الانجازات التي تحققت التي يراها المواطن من خلال تشريعات أسواق المال أو ممارسات الأعمال التجارية في أكثر من دولة، معربًا عن أمله في تحقيق المزيد في المستقبل ولابد من أن نحيي كل تلك الإنجازات التي عملت في الفترة السابقة. من جانبه، أكد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور فهد المبارك أن المملكة لا تشعر بالقلق من الأزمة في واشنطن والتي قد تتسبب في عجز الولاياتالمتحدة عن سداد ديونها. وقال المحافظ للصحفيين لدى سؤاله عما إذا كان قلقا: «لا، فقد تعرضوا لهذا الموقف من قبل وتغلبوا عليه». وخلال الاجتماع المشترك مع وزراء المال ومحافظي البنوك المركزية، أكد صندوق النقد الدولي على الدور الهام لدول المجلس في استقرار الاقتصاد الإقليمي والدولي والمساهمة في العملية التنموية الدولية، مستعرضا في هذا الصدد آخر المستجدات المالية والاقتصادية ومدى تأثيراتها على اقتصاديات دول الخليج، والمقترحات المتعلقة بمعالجة الاختلالات المالية وتحقيق النمو المستدام وإيجاد فرص عمل جديدة مع تطوير مخرجات التعليم والتدريب. ورجحت نائب مدير الصندوق نعمت شفيق أن تبلغ نسبة النمو خلال العام المقبل 4.4 في المائة و3.7 في المائة العام الحالي، مقابل نسبة استثنائية بلغت 6.4 في المائة العامين المنصرمين. وتابعت إن دول مجلس التعاون الخليجي ما تزال بين الذين يحققون أفضل أداء في المجال الاقتصادي، مشيرة إلى أن اقتصاد هذه الدول في وضع جيد لكي تتأقلم مع تقلبات الأوضاع الاقتصادية العالمية. كما تطرقت إلى الصعوبات الاقتصادية الأمريكية، قائلة: إنها تزيد من القلق تجاه النظرة الحالية للوضع العالمي الاقتصادي، وأنه بالرغم من أن دول الخليج ليست بمنأى عن هذه الأزمة وستتأثر بها مع باقي دول العالم في حال عدم توصل إلى اتفاق لسقف الدين العام على المدى الطويل، إلا أنه في المدى القريب لن يكون هناك أي تأثير.