قدسية المسجد النبوي تحتّم على جميع المسلمين القيام بواجباتهم نحوه من احترام وتشريف ومجانبة كل ما يخدش في مكانته الإيمانية، وهذا هو الذي يتمتع به المسجد النبوي من رعاية وعناية منذ القدم، بل تسابقت الولاة وسائر المسلمين في خدمة هذا المسجد من إعمار له بالبناء وتهيئته لأهل العبادة تقربًا إلى الله {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (18) سورة التوبة. وواجبنا تنزيهه وغيره من المساجد عن كل ما يدنسه أو يقلل شأنه في النفوس، وهذا يتطلب بذل الجهد والحرص على إشباع النفوس بشأن احترام المساجد عمومًا والنبوي خصوصًا. فمتى عرفت النفس شأنه وعظيم منزلته زاد وقعه في النفوس وتقرب المسلم لله باحترامه. وبعد هذا فإن قاصد المسجد النبوي يرى بعضًا من الظواهر المنافية لمكانته والمخلة بأدبه وحقه، وهي من المشاهد التي ربما كانت قليلة لكنها قد تزداد مع مرور الزمن، فتلافيها ومعالجتها بل ورفع وعي ممتطيها ندرك به اكتمال رونق المسجد النبوي حسًا ومعنى. فأسوق لرعاة هذا المعلم الرباني أصحاب المجهودات الضخمة بعضًا من الظواهر التي أملتها علي غيرتي على قدسية هذا المكان لدراستها ومعالجتها بما يناسب منزلة المسجد النبوي ومدينته، فأقول وبالله التوفيق: 1- إن المسلم ليفخر بما يلقاه هذا المسجد من عناية معمارية ونظافة وصيانة وهي مضرب المثل لكل زائر، غير أن قاصده ينزعج لما قد يراه في الطرقات النافذة إلى المسجد من ظاهرة التدخين من القاطنين أو الزائرين فلا تكاد تمر إلا وتجد المدخنين ينفثون بدخانهم في أجواء ليس بينها وبين أسوار المسجد إلا خطوات، أليس هذا ضعفا في الوعي وعدم احترام؟ إنه لم يحترم قدسيته ولم يستحِ من العابدين الغادين الرائحين. وربما أخذك العجب لما تراه في محيا المدخن أن فعلته طبيعية...! وأيضًا أصحاب المحلات ليسوا من تلك الصفة بمعزل. فعلى أهل المسجد ومن حوله دور في القضاء على ظاهرة التدخين حول أقدس بقعة ومع أنه عمل مشروع فإنه يزيد وعي المؤمن باحترام دور العبادة ومراعاة شعور الآخرين. وإني لأعجب من تلك اللوحات المثبتة منذ سنوات قد دوّن عليها (ممنوع التدخين) بنفسها لن تجدي فتقوّم المعوج أو ترشد الضال. فقد قال عثمان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). فللقائمين على هذه البقعة المشرفة السلطة في حظر التدخين في الأماكن المحيطة بالحرم النبوي والمتابعة مما يتناسب مع مكانته. وإلا فهل يعقل أن يترك المدخن يقلب فاه بدخانه فيلوث قاصدي المسجد الآخذين بأحلى زينة وأعطر ريحة؟! 2- ظاهرة الألبسة التي يكتسيها بعض قاصدي المسجد النبوي والتي لا تليق بالعابر للطريق فكيف بمن كان يصلي بأشرف بقعة، فهذا صاحب بنطال ضيق جدًا لا يستطيع معه السجود، وهذا صاحب شورت لا يغطي ركبتيه، وذاك صاحب بنطال لا يغطي نصف ساقه (المعروف باسم: برمودا)، وهكذا.. علمًا أن هذه الألبسة صاحبها ممنوع من دخول بعض المؤسسات الحكومية والخاصة بل وحتى المجمعات التجارية. أليس من حق الوافد على الله أن يكون في أحسن زينة وأصدق حياءً وأعظم خشية؟! فيا ليت رعاة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم حماته أن يردوا كل من كان بهذه الصورة المزرية من دخوله. قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31) سورة الأعراف أي عند كل صلاة. 3- ظاهرة الجوال وما أدراك ما الجوال، فرق جماعات الرجال، وشتت أذهان الأجيال. فكم من مصوّر بين أروقة المسجد النبوي بل حتى في الروضة الشريفة، روضة من رياض الجنة لم تسلم. صور تذكارية، وأجراس نارية، ونغمات موسيقية. وما كنت مبالغًا إن قلت إنه صار عند البعض ساحة لاختيار النغمات لكثرة الرنين. فهل من حل لمثل هذه الظاهرة المخلة في دور العبادة بل والمذهبة لخشوع المصلين بل والمؤذية للمصلين؟! ألم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم آكل البصل من المكث في المسجد مع أن أثره على آكله ومن بجواره بينما أجراس الهواتف تعج وتؤذي أغلب المصلين، إن معالجة هذه الظاهرة ليس بمستحيل على القائمين على هذا المعلم الإيماني أمام التقدم التقني والثورة الاتصالاتية الثاقبة. 4- عند إقامة الصلاة ترى بعض المصلين يصلون بأي مكان من المسجد النبوي، فيؤدون الصلاة أوزاعًا ووحدانًا، فلا تكاد تخلو صلاة إلا وتجد من يتابع الإمام بعيدًا عن جماعة المسجد، إما بالأروقة البعيدة والساحات الفسيحة، بل أن هناك من هو خارج المسجد يفترش سجادة ويصلي زاعمًا أنه يتابع إمامه، فهل هذا من جماعة المسجد؟ وهل سميت الجماعة جماعة إلا لاجتماعهم على إمام واحد، استوت صفوفهم والتأم شملهم بهذه الصلاة، وهذا يلاحظ كثيرًا عند قلة القاصدين للمسجد النبوي، فهل من إرشاد وتوجيه للمصلين للدخول إلى مقدمة المسجد والاصطفاف مع المصلين جماعة، وهذا ليس بعزيز على من شرفهم الله برعاية المسجد النبوي. 5- الافتتان باستقبال قبة الحجرة النبوية فلا تكاد تخرج من باب المسجد القريب من بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وتجد البعض قد اصطف رافعًا كفيه يدعو وينوح مستقبلاً القبة مستدبرًا القبلة (فلا تدعو مع الله أحدًا). وقد يقال: هذا جاهل، ولكن أليس على غير بصيرة؟! بل قد يأتي من يقتدي به فيكون دِينًا وعقيدة. والله المستعان. إن رعاة المسجد أهلاً لمعالجة هذه الشرور من أصلها، ومن قواعد الفقهاء (الدفع أسهل من الرفع). هذه أهم المشاهدات التي أرجو أن تكون محل نظر وتدبر من أصحاب القرار مشكورين أولاً وآخرًا، فالله أسأل أن يوفقهم وأن يعينهم على القيام بواجباتهم. والله الموفق.