قصة كفاءة النسب (الخضيري والقبلي) عند أهل نجد، ليس لها من حقيقتها شيء مستمد من اسمها. فعوائل نجد كلهم أكفاء بعضهم البعض وكذلك هو حال قبائل السعودية كلهم. فلا يوجد في ديارنا دم خسيس ودم كريم، وعرق وضيع وآخر شريف، لكي تسحب أطروحات «كفاءة النسب» لتُنزل على عوائل وقبائل بكاملها تحت المسمّى الجاهلي الخضيرية والقبيلية. وقد أشرت في مقالي الخميس الأسبوع الماضي، أنّ استمرار هذا العُرف عندنا هو بسبب إسباغه بصبغة الإسلام السّلفي (ممثلاً في القضاء الشرعي وفي عدم ظهور فتوى تحرم ذلك). وأعتقد أنّ سبب تلبيس عُرف الخضيري والقبيلي عندنا باللباس الإسلامي السلفي، نابع من الحرص على المحافظة على توارث الامتيازات. مع أنّ توارث الامتيازات أمر لم يعرفه الإسلام، ولا النصرانية، بعكس الامتيازات السياسية التي هي في أصل الإسلام بشاهد قوله عليه الصلاة والسلام «الخلافة في قريش». ولذا فقد كانت المحافظة على توارث الامتيازات في نجد - وهم عوائل متكافئة - أمراً في غاية الصعوبة، فلُبس هذا العُرف باللباس السلفي، فأصبح القضاء الشرعي يحكم به رغم معارضته لكل مبادئ الدين والإنسانية وكل ما فيه من أضرار على تلاحم المجتمع والوطن. وأعتقد أنّ الزميل الفاضل الدكتور الطبيب عبد العزيز السماري قد كفاني جانباً من تشخيص أصل نشوء هذا العُرف في مقاله الرائع الأسبوع الماضي «بين السلفية والدين»، حيث قال «يدخل في ذلك أيضاً الموقف من الإنجاز كمعيار للأفضلية في المجتمع، والذي يواجه أيضاً ممانعة سلفية عقلية، لذلك تم استدعاء القبيلة والعائلة والموروثات الاجتماعية والثقة كحالات سلفية، تمانع أن يكون الإنجاز هو معيار النجاح والتفوق في المجتمع، لهذا السبب تم استدعاء التاريخ الشعبي بكل رموزه ومفرداته من أجل ترتيب مقاييس الأفضلية في المجتمع، وتم تمجيد القبيلة كحالة سلفية محمودة، وتم إعادة رسم أشجار العائلات، وتاريخها من أجل نيل الثقة وامتياز التفوق». سُمي حلف الفضول باسمه لأنه كان إحياء لحلف سابق في الجاهلية تبنّاه ثلاثة من السادة، أسماؤهم كلها مُشتقة من الفضل. وفي الرواية عنه عليه السلام أنه قال: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ» وكان سببه أنّ رجلاً غريبًا ظلمه العاص بن وائل. فاستنصر الغريب أهل الفضل في مكة، فخذلوه. فدعا الزبير بن عبد المطلب سادة قريش لحلف ينصرون به المظلوم، فكان حلف الفضول. قال ابن كثير: «وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب». وها هي جاهلية العرب يتحالف سادتهم للانتصار للغريب على سيد من ساداتهم. بينما تعجز أو تكسل أو تتخاذل أو لا تبالي سادات نجد لنصرة بعضها من ظلم بعض، وطعن بعضهم في أنساب بعض واتهامها بما يوجب فسخ الأنكحة وتفريق العائلة بأحكام القضاء الشرعي. فما بال سادات الجاهليات قديماً وحديثاً خير من سادات الإسلام السلفي. أم أنّ السيادة في نجد قد أدركها ما أدرك سلفيتها من جمود وعدم مبالاة بتغيّرات العصر. كنت قد دعوت سابقاً، - وبعد إذن ولي الأمر - إلى مجلس - أو نحو من ذلك - يجتمع فيه من يليق به مسمّى السيادة حقاً، فتُناقش هذه المسألة ويتوصل فيها إلى نتائج ومبادرات، ثم يُرفع هذا كله إلى ولاة الأمر لأخذ الإذن بالسماح في تفعيله، كآلية بداية فكرة مشروع السلام عليك أيها النبي ونحوه. وقد استجاب البعض وتحمّس، ثم ما يلبث أن تخفو هذه الحماسة وتزول بين شغل وكسل، وبين مُخَذل ومُثبِط. وبما أنّ عوائل نجد كلها شريفة ولا يوجد فيها دم خسيس أو متهم بتهمة وضيعة، فأنا اليوم أدعو، على مجال أوسع، كبراء العوائل وسادات القبائل كلها للتنافس في المساهمة في إقامة مجلس كهذا لرفع الظلم عليهم أو على غيرهم تحت هذا المسمّى الجاهلي الجائر، لقناعتي بأنه لا يرضى بهذا الوضع سيد، «ولولا المشقة ساد الناس كلهم». فبهذا يسود الرجل قومه لا بإرث مال ومنصب. [email protected] تويتر@hamzaalsalem