هذه عبارتي التي أجعلها عنواناً لمقالاتي التي أرثي بها البعض ممن يتوفاهم الله، أذكر منهم الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم (من بلد البير)، وكلاً من: عاتق بن غيث البلادي، عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان، عبدالله عبدالجبار، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم رحمهم الله جميعاً، وجنبنا الفتنة بعدهم. الأستاذ راشد بن محمد الحمدان (من المجمعة) توفي رحمه الله قبل أسابيع وكُتبت عنه كلمات كثيرة، لرئيس التحرير وعبدالعزيز بن محمد بن خريف (من حريملاء)، وغيرهما. وتأخرت في الكتابة عنه لأني أبحث عن مقالات نشرت بيني وابنتي عبير وبينه، أولها: يظهر أني كتبت مقالاً أو فقرة في مقال أقترح فيه على مها عبدالرحمن (مها بنت عبدالرحمن) أن تختار عنواناً غير الذي اختارته لمقالها أو مقالاتها (والله العظيم.. نسيت العنوان ولم أجد الكلمة). المهم أن أبا محمد رحمه الله استغرب أني لم أعد أذكر من كان يكتب تحت عنوان (جذامير) وقلت لعلّه الأستاذ عبدالرحمن بن فيصل بن معمّر، وهذا أغضب المرحوم فكتب مقالاً في هذه الجريدة بعددها 7957 في 04-02-1415ه عنوانه: (القروي يذكّر الحمدان ب»الجذامير») أودعه قفشات من دعاباته المشهور بها. ومنها قوله: «لأن أبا عبدالله هذه الأيام غرقان في الطين إلى شوشته حيث يبني بيتاً في حي التعاون ويشبعه بالطين من الخارج لحبّه للبيئة القديمة، فلا شك أن أذنيه لم تمتلئ واحدة بالطين والأخرى بالعجين، ولكنهما امتلأتا بالطين، وعندما تتطين الأذنان فإن صاحبهما تبدأ في نهشه الشيخوخة ويعتريه التخريف، وقد علمت أنه خرج من بيته هذا راجعاً إلى بيته القديم في البديعة فلم يقف إلا في (البير)، والبير إحدى قرى طويق، وتبعد عن الرياض 120 كيلاً، ولم يحسّ بطول المسافة لأنه كان منسجماً مع زويّد وضاحي بن الوليد ((سامحك الله وغفر لك يا أبا محمد) فلو قلت بعض السامريات الجميلة أو (جبل التوباد حياك الهوى) لوافقتك. وقد عرف عن أبي عبدالله هذا ولعه وحبه للقديم، وهو يملك (مكتبة قيس) حيث كل ما فيها أثري حتى صاحبها، وإلا كيف ينسى عنواناً لزاوية كانت محبوبة من القرّاء وهي (جذامير) وصاحبها أحد أقربائه ولو في الجد العشرين أو الثلاثين، ومن يقدر يعد 20 أو 30 جداً له في هذا الزمن فله منّي مليون (أي عملة؟). وقديماً قال الشاعر: إن الفتى من يقول ها أنذا، وها أنذا أحيي ميت الذهن أبي عبدالله، وعسى أن لا يكون نسي أشياءه في المكتبة، وقد علمت أنه يديّن من يشتري منه هذه الجرائد والمطبوعات القديمة، ويستحي أن يسأل المشتري عن اسمه إذا قال (الدراهم بعدين)، وإنما يسجل الوصف في دفتر عنده، فيقول: عند (أبو لحية) قصيرة كذا، وعند الأخرش كذا، وعند اللي قُبَل (دائماً) يَنْشِق كذا، لأنه قد يشتري منه أحد المزكومين. وقد زاره أحد الكتاب الرياضيين، واشترى منه مطبوعة رياضية (قديمة)، ولأن صورته دوماً في الصحف لكنه نسي اسمه فكتب: عند (أبو بدلة) رياضية كذا.. وهكذا، ولذلك فقد ضاعت معظم دراهمه مثل ماضيّع اسم كاتب جذامير، ونسبه إلى شخص آخر، الله يرحم حالنا وحاله، التوقيع: أخوكم القروي». انتهى مقال أبي محمد اللطيف الظريف الخفيف (كجسمه الذي بدون لحم). - لماذا تخفي رأسك في التراب (أيها القروي: إنك تذكرني بهذا الطائر): هذا عنوان مقال كتبته ابنتي عبير في هذه الجريدة بعددها 7963 بتاريخ 10-02-1415ه الذي لم يذكر اسمه، وقالت إنه يذكّرها بطائر معروف بالجبن والخوف حيث يخفي رأسه في التراب كلما شعر بالخوف، (ولعلّها تقصد النعامة التي تخفي رأسها في الرمال). - من القروي... إلى القروي: ثم عقبت بكلمة هذا عنوانها، وذلك في العدد 7968 بتاريخ 15-02-1415ه جاء فيها: «أويت إلى بيتي يوم الثلاثاء 04-02-1415ه فوجدت فيه هرجاً ومرجاً وزعلاً من بعض أولادي وأمهم وبخاصة ابنتي عبير التي وجدتها تسلمني صورة من مقال أعدّته فوراً رداً على القروي، وقد وافقت على نشر مقالها رغم عدم رضاي عن بعض عباراتها الشديدة الغاضبة، علّه يطفئ نار غضب عبير وأمها وإخوانها وخالاتها. وبعد قراءة مقال (الكاتب القروي) على وزن (الشاعر القروي) في هذه الجريدة بعددها 7957 الصادر في 04-02-1415ه في (عزيزتي الجزيرة) بعنوان (القروي يذكّر الحمدان بالجذامير) وجدت فيه مداعبة لطيفة لم يحتملها من في البيت وها أنذا أكيل للقروي الصاع صاعين و(أورّيه النجوم في الضحى) كعادتي والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فأقول وبالله التوفيق (يا ويلك يالقروي، ويا سواد ليلك): لامني القروي على النسيان واستشاط غضباً حين نسيت أنه الذي كان يكتب زاوية جذامير وأذكّره بأن النسيان من صفات الإنسان الملازمة له. وأهديه هذه الأبيات: أفرط نسياني إلى غاية لم يدع النسيان لي حسّا فصرت مهما عرض حاجة مهمة ضمّنتها الطرسا وصرت أنسى الطرس في راحتي وصرت أنسى انني أنسى وبمناسبة النسيان فقد سألوا مصرياً من الصعيد اسمك ايه؟ فأجاب: أنا مخي دفتر؟!، وبالمناسبة أيضاً فقد عمد (ربعنا) إلى إلصاق النكت والتندر بمنطقة من مناطق المملكة كما فعل المصريون بأهل الصعيد فصاروا ينسبون لهم النكت والطرائف التي تدل على الغفلة وهم من معظمها براء. وأسلوب القروي فكه وساخر وفيه دعابة، والفرق بينه وبين كتابات راشد الحمدان كالفرق بين الصعوة والمسلق، يذكّرني أسلوبه بما يكتبه راشد الحمدان في سحّارته قبل أن تأكلها (الأرضة) أو يطيح عليها بيته في قريته أو ينتهي ما فيها من (سباحين) مفيدة كما يذكّرني بما كان يكتبه أمين سالم رويحي في جريدة المدينة ولقمان يونس وعلي العمير والعمار في لقافته وأمثالهم. هذا الأسلوب المحبب الذي تفتقر إليه صحافتنا التي كل ما فيها الآن جدّ ممل، وحوادث وكوارث مفزعة، باستثناء الرسوم الهزلية (الكاريكاتير)، وأرى القروي يصف الكاتبة مها بنت عبدالرحمن بطويلة اللسان ولكنه لم يذكر للقرّاء كم طول لسانها وهل هو أطول أم أقصر من لسان المرأة المرفقة صورتها. ويخيل إليّ أن القروي يتمنى أن (يليّص) بيته من الخارج بالطين كما فعلت، وربما عبر طريق أبي بكر الصديق لغير حاجة سوى مشاهدة الطين والحصى في منزلي المتواضع ومقر مكتبة قيس، حيث يذكّره بقريته، وأؤكد له أن الطين لم يصل قط لأذني، وما زال قلبي شاباً وجسمي كذلك، والحمد لله وإن اشتعل الرأس شيباً ووقاراً، والشيخوخة ما زالت بمنأى عني وكلٌ سيشيخ إن أمهله هادم اللذات: زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدبّ دبيبا وظلمتني (ظلماً كبيراً) أيها القروي حين أوردت كلمة (التخريف) ولو قلت (الخَراف) بفتح الخاء (جني الرطب) لكان أفضل، وفي هذه الأيام بدأ موسم الخراف ولصاحبك راشد الحمدان كتاب حول الخراف لعله (خراف الأيام) نسي أن يهديني نسخة منه، جمع فيه بعض ما كان في سحارته من أشياء قديمة أكل عليها الدهر وشرب (كما يقولون) أي صارت سفرة أو سماطاً. وقد أجاد أخونا في حبك قصة خروجي من دارتي (فلتي) (وأرجو استعمال كلمة دارة العربية بدل فيلا الفرنسية وكذلك جسر بدل كوبري أعوذ بالله من الكبر والكُبر) قاصداً بيتي في البديعة وعدم إحساسي بالطريق حتى وصلت قريتي مما يدل على إجادته (ما شاء الله) للخيال (سبع صنايع والبخت ضايع) والظاهر أنه شاعر أيضاً، وهنا أورد للقراء طرفة قرأتها في بعض كتب التراث وسمعتها من الشيخ حمد الجاسر هي: (أن قوماً رأوا رجلاً يصلّي فأخذوا يثنون عليه ويصفونه بالصلاح وهنا التفت عليهم وقال: ومع هذا أنا صائم). ولكن الصواب جانب القروي كثيراً وأبعد النجعة حين اتهمني بالانسجام مع زويّد وضاحي ابنَي الوليد اللذين لم استمع لهما قط في حياتي ولو أتى على ذكر السامري (أو السامر كما يرى أبو عبدالرحمن) والهجيني وبعض الربابة لأصاب، وعلى ذكر الانسجام فقد عمل أحد الإخوة المقيمين في بلادنا حادثاً مرورياً، ولما لاموه أو سألوه عن السبب قال (ببرود) كنت منسجماً مع المَدَام بفتح الميم لا بضمّها، وهي كلمة فرنسية تعني المرأة وإن كان الضم يسبب حوادث أكثر وأخطر من الفتح. وسامحه الله حين اتهم صاحب مكتبة قيس ومتحف قيس ومتحف مكتبة قيس بأنه أثري أيضاً (ألم أقل لكم إني سأكيل له الصاع صاعين أو ثلاثة) ولا بد أنه الآن يتلّص (بتشديد اللام) في السماء في القايلة يدوّر النجوم. وألوم القروي هنا لأنه تكلم باسم القرّاء وقال إنهم: (كلهم) كانوا يحبون زاوية جذامير ومعروف ما يستحقه مادح نفسه. أما مادح غيره (فكفوه) التراب يحثى في وجهه، وسامحه الله بل (الله لا يسامحه) في وصفه لي بميت الذهن، وليته يفسر لنا في مقالة قادمة ما هو الذهن وما هو موته فقد صعب عليّ تفسير ذلك ورحم الله أهل العلم (ومقدية فيه عبير). وتتجلى براعة القروي في الدعابة والفكاهة والسخرية حين أورد أوصاف بعض من يشترون منّي ولا يدفعون الثمن إلا بعدين (أو لا يدفعون ألبتة) مثل (أبو لحية قصيرة) (الأخرش) (أبو بدلة رياضية) (اللي قُبَلْ يَنْشِقْ) وهذا الوصف الأخير لن يقرأه كما أراده القروي إلا قليل من القرّاء لأنه موغل في العامية وسيقرأه كثيرون (قبل ينشق) بتشديد القاف وهذا بعيد جداً عن المراد. ولا بأس بالمناسبة (مرة ثالثة) من إيراد طرائف لبعض المشترين فقد اشترى مني شخص مجلات ثقافية ولم يسدد لي إلا بعد سبع سنوات عجاف، واشترى آخر بألف ريال وظل سنوات يماطل في التسديد، واضطررت لإرسال سند باستلام المبلغ منه، ولكن دون جدوى حتى جاءت المعجزة وسلمني المبلغ في معرض الكتاب، والآن إذا سألني عما لديّ من الكتب القديمة أقول له: إني فتحت مكتباً للعقار، بدل المكتبة، أو بقالة أبيع فيها البطاطس وأشتري الرمان. وما زلت أطالب أشخاصاً بمبالغ، ومنهم شاعر عامّي 150 ريالاً منذ بضع سنوات (البعض من الثلاثة إلى التسعة) (تين في الجنّة)، والطريف هنا أن كلمة المزكومين جعلتها المطبعة (المزكورحين) (وحلّها يا ابن سلّوم) ولو كان الوقت يسمح لأوردت لكم نماذج من أعاجيب الأغلاط المطبعية ويكفي أن أقول (كما جاء في كتابي ديوان السامري والهجيني) أن كلمة (التفاكير) أصبحت (القطا الكبير). أخيراً فإن جملة (الله يرحم حالنا وحاله) التي لم يتبين لي هل هي موجهة لي أم للشخص الآخر الذي نُسبت له الزاوية (الله يرحم حالنا جميعاً) واذكّر القرّاء بأن هذه الجملة سببت مشكلة كبيرة ومعركة بين أديبين شاعرين بارزين توفي أحدهما رحمه الله وهي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه ما فيه. والسلام عليك أيها القروي وعلى القرّاء وإن عُدت عُدنا». وبعد كل هذه المداعبات أكرر الترحم على أبي محمد (راشد بن محمد الحمدان)، وألوم ابنه محمد الذي لم يعطني رقم هاتفه الذي طلبته منه أثناء مرض والده وذلك بواسطة ابن عمّي عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحمدان. - قاموس التراث والمفردات العامية: لقد كان رحمه الله كذلك، وقد تولى قبل عقود التعليق على مهرجان الألعاب الشعبية الذي أقامته الرئاسة العامة لرعاية الشباب فأجاد وأفاد وبرع في ذلك. وقد فشلت في الحصول على تسجيل لذلك المهرجان الذي لم ولن يتكرر، والله المستعان. WWW.ABU-GAIS.COM مكتبة قيس للكتب والجرائد القديمة -الرياض - البير