في لحظات من تاريخ الأمم وفي مواقع محددة من مفارق طرق مسيرة الحضارة، تومض إشارة تحتم ضرورة الاختيار بين درب السلامة أو درب آخر، وفي تاريخ الدول التي يرضى الله عنها يهيئ لها رجالاً يتقدمون الصفوف، هم رجال الدولة وقادتها الذين يختارهم سبحانه وتعالى ليقع عليهم عبء الريادة والقيادة، وباختيارهم سلك أممهم دروب السلامة. وقد اختار الله الملك عبد العزيز ليبدأ تأسيس هذه البلاد عام 1319 ويتوّج تلك الجهود الجبارة بإعلان التوحيد في الأول من الميزان (1351ه) باسم المملكة العربية السعودية، وبهذا الحدث التاريخي مكّن الملك عبد العزيز المجتمع السعودي من أن يتبوأ موقعه الملائم على الخارطة الدولية عامة والعربية والإسلامية خاصة. ونتج عن هذا التوحيد أن انتقل المجتمع السعودي برمته من الجهل إلى العلم, ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن الاختلاف إلى الائتلاف، ومن الخوف إلى الأمن، ومن التباعد الاتصالي إلى التقارب، ومن الضياع إلى زرع الإحساس بالذات، وتوهّج ونقاء وصفاء العقيدة الإسلامية، هكذا تكوّنت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز الذي وجد نفسه جزءاً من الصراع الدولي في ذلك الحين بكل مشتقاته الفكرية، ومتغيّراته السياسية والعسكرية، فتمكن ببصيرته الثاقبة، ومرجعيته الصافية من أن يشق له طريقاً سياسياً مغايراً لمقاييس تلك الفترة المادية.. أساسه، حسب تعبيره يرحمه الله «الدين، المروءة، الشرف «، مؤمناً بقضايا الأمة، عاملاً على تحقيقها لا لغاية دنيوية في نفسه، وإنما لهدف أسمى من ذلك قوامه المصلحة أولاً وثانياً وثالثاً، وليس أدل من ذلك قوله يرحمه الله «إنني على استعداد لأن أكون جندياً بسيطاً، أجاهد في سبيل الله، وتوحيد كلمة العرب». لذلك فإنه لم يكن من صفات هذه النفس التوّاقة إلى الوحدة، والإخاء، الرغبة في السيطرة على الآخرين. بهذا النهج وعلى هذه الأسس قامت المملكة العربية السعودية وتحدد خطابها السياسي الخارجي، وعمل خلفاء المؤسِّس الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد على الالتزام بها، وجعلها أساساً حيوياً في جميع تعاملاتهم السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي. وها نحن نرى اليوم منطلقات سياسات بلادنا في العهد الميمون عهد الملك عبد الله تعتمد على نفس الأسس، في توجيه خطابها السياسي والمرتكزة على ثوابت العقيدة الإسلامية السمحة، التي لا تفرق بين جنس وآخر، محققة عدالة السماء التي أنزلها رب العزة والجلال على نبيّه، والمستندة على قاعدتيْ الحق والعدل. واليوم ونحن نحتفل بيومنا الوطني لعامه (83) ومرور ثماني سنوات على تولي الملك عبد الله سدّة الحكم. وفي لحظة من التجرّد والموضوعية، وبعيداً عن أدنى تكلّف أو مجاملة، أحاول في هذه الأسطر أن أخوض في بحر زاخر من أعمال البناء، والعطاء لملك قد سبقت أفعاله أقواله، وآمل من قلمي أن يمس من قريب أو بعيد بعض إنجازاته الخيّرة وشمائله الحميدة من باب ما لا يُدرك كله لا يُترك جله، إنّ السياسة الحكيمة التي انتهجها حفظه الله في ظل المتغيّرات في المشرق العربي وما تمر به الدول العربية والإسلامية، أبعدت عن المملكة الهزات التي تعرّضت لها بقية دول المنطقة، وها نحن في العام الثامن من عهده الميمون الذي تحقق خلاله حلم كان يراوده شيّد، وعمّر، وفجّر كنوز الأرض، وأنجز وبنى نهضة عملاقة عمّت البلاد، وأفاضت الخير، وثبتت دعائم الأمن والاستقرار، وأقام العدل متمسكاً بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم، سائراً على نهج والده وإخوانه يرحمهم الله. والمجال لا يتسع لذكر إنجازاته الكثيرة التي شملت التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وجميعها تصب في صالح المواطن الذي كان البطل الدائم في جميع خطابات وأحاديث الملك، والهدف الدائم الذي يعمل من أجل راحته، وسعادته، وتعويضه عن سنوات الجفاف، وتسهيل كافة الخدمات دراسية، علاجية، أرض، قرض، وقد أملت عليه عقيدته السمحة بأن يبادر إلى نصرة المظلوم، وإحقاق الحق في كل المجالات، كما أملت عليه أن يهبّ لنجدة أشقائه في سوريا، ومصر، وأبت عليه كرامته إلاّ أن يقف شامخاً معتزاً بدينه وشعبه عند النوائب والصعاب. هذا هو مليكنا عبد الله بن عبد العزيز يعيش هموم أمته العربية ويحرص على حسن الجوار، وحل المشكلات بالكلمة الطيبة، وقد كانت له رؤيته البعيدة في المشكلات العالمية، ومواقف مشهودة في الأحداث العامة، كما ان له دور بارز ومكانة مرموقة، فقد استطاع أن يضع لنفسه منزلة عالية بين الزعماء المعاصرين والحكام الكبار الذين لهم وزن في الرأي العام الدولي. وقف في وجه التحديات التي حملتها رياح التغيير في المنطقة، وأثبت حكمة سياسية وأصالة رأي، واستطاع أن يحوّل مسار الأحداث لصالح وطنه وإسعاد شعبه. إنّ للملك عبد الله يداً ميمونة ومأمونة تجاه الوطن والمواطن، ملك كبير له هذا الحب وبهذا الوزن يحتل الصدارة، من حق الوطن أن يهتف له بطول العمر وأن ندعو الله أن يحفظ هذا الوطن.