إن من أصعب الأمور الفكرية، وأكثرها إضراراً بالعقل والتفكير، قلب الموازين الفكرية والعقلية بحيث يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، والظلام نوراً، والنور ظلاماً، والتخلف تقدماً، والتقدم تخلفاً. فتجد الشخص يسير على طريق الخطأ، وهو يظن أنه يسير على طريق الصواب، بل ويظن أن السائرين على طريق الصواب ضالون، ومخطئون. ومن ذلك أن كثيراً من النساء والبنات تسود عندهن قناعة أن علامة التقدم، ومسايرة العصر هي التشبه بالغربيات، والمشهورات من الممثلات وغيرهن في كل شيء، وبخاصة في الملابس، ومتابعة الموضة، فانتشرت ظاهرة ارتداء الملابس المبتذلة، والفساتين التي لا تكاد تستر من جسم المرأة إلا القليل، على نحو جعل كثيراً من النساء المحافظات يتحرجن من الذهاب إلى المناسبات الاجتماعية كالأعراس، وحفلات الأقارب، بسبب ما يرينه من لباس فاضح، ومناظر تخدش الحياء، وتنافي الآداب، وتصادم التقاليد. ومعلوم أن هذا النوع من عدم الاحتشام والوقار في حفلات الأعراس وغيرها يجر -كما هو واقع ومشاهد- إلى التجرؤ، وعدم الاحتشام في غير الأعراس، وبدء ظهور ذلك في الأماكن العامة والشوارع. ومن هنا تكمن خطورة هذه الظاهرة التي ينبغي للجميع التصدي لها حتى لا تستفحل، ويصبح التعري أمراً معتاداً في مجتمعنا الإسلامي المحافظ، كما هو حاصل في كثير من الدول العربية والإسلامية، مع الأسف الشديد. وهناك وسائل كثيرة للتصدي لهذه الظاهرة، والحد من انتشارها، من أهمها: أولاً: نشر الوعي بين النساء، وتبصيرهن بأمور دينهن في هذا الشأن من خلال خطب الجمعة ومكان تجمع النساء، والبرامج التلفزيونية، والإعلانية، ومدارس البنات، والجامعات، والكليات، وغير ذلك. ثانياً: أنه تقع مسؤولية عظيمة على ولاة أمور النساء من أزواج، وآباء، وإخوان، في توعية نسائهم، وبناتهم، وأخواتهم، وصيانتهن، والمحافظة على أعراضهن ؛ لأنهم رعاة في بيوتهم، ومسؤولون عن رعاياهم أمام الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ثالثاً: أن يقوم رجال الأعمال في مجال الألبسة بعدم استيراد هذه النوعية من الفساتين التي تكشف الظهر والصدر وما دون ذلك، وتتسم بعدم الاحتشام، والاستعاضة عنها بملابس محتشمة راقية، واشتراط ذلك على المصممين، وعلى دور الأزياء العالمية. وهذه ممكن؛ لأن المصممين والموردين يهمهم الربح بالدرجة الأولى، فإذا كانت الأزياء المحتشمة هي المطلوبة والمربحة لهم، فإنهم لن يترددوا في مراعاة ذلك. ويدل على ذلك أن العديد من رسائل الشكر قد انهالت على حساب الأخ العزيز الصديق الأستاذ عبدالمحسن بن خالد المقرن رئيس مجلس إدارة شركة الأسواق والمجمعات التجارية «العليا مول، ومارينا مول، وسيتي مول، وفينيسيا مول، والبديعة مول»، بعد يومين من نشره سؤالين لاستطلاع آراء الجمهور حول تأييدهم للملابس المحتشمة. فبعد 48 ساعة فقط من نشر (تواصل) للاستطلاع الذي طرحه المقرن عبر حسابه على تويتر حول تأييد الجمهور للملابس المحتشمة، عبر هاشتاق، مطالبة التجار بالملابس المحتشمة، تم رصد مئات الرسائل من شخصيات بارزة ومواطنين من كافة الشرائح على حساب رجل الأعمال «المقرن» لتأييد الفكرة ودعمها. وقال أبوخالد عبر حسابه على تويتر - بعد الرسائل التي جاءت بالمطالبة باللبس الراقي المحتشم -: «أشكر الله - عزَّ وجلَّ - ثم أشكركم على ثقتكم بأخيكم، وأود أن أخبركم أنه -ولله الحمد- نستطيع الضغط على مئات المستأجرين منّا بإحضار الأزياء الراقية المحتشمة، وكذلك نستطيع دعم الأزياء الراقية المحتشمة بتخفيض الإيجار للمميزين منهم، وأيضاً لدعم المراكز، وفي أفضل المواقع لهم». وأضاف: «الآن أنا في أوروبا، ولدي اجتماع مع مصنع راقٍ في إيطاليا لعرض فكرة توريد أفضل الموديلات وبطريقة يقبلها المجتمع، فنحن لا نستطيع أن نمنع بيع الملابس العارية، ولكننا -وبفضل من الله- نستطيع فتح أكبر شركة للملابس الراقية المحتشمة». وتابع قائلاً: «سترون قريباً -بمشيئة الله- ما يسركم، والموضوع يحتاج عدة أشهر، والله الموفق سبحانه». وهذه المبادرة الرائعة تدل على معدن الأستاذ عبدالمحسن المقرن، وغيرته على دينه ووطنه، وشرف أخواته وبناته من المواطنات، ولن يعدم من ذلك الدعاء الصالح، والثناء الجميل من الغيورين على شرف الأمة. ومن هنا أدعو كل رجال الأعمال إلى التأسي والاقتداء بهذا العمل الذي يعد من الأعمال الصالحة. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. [email protected]