إذا رزق الإنسان ذوقًا سليمًا مهذبًا عرف كيف يستمتع بالحياة، وكيف يحترم شعور الآخرين ولا ينغص عليهم، بل يدخل السُّرُور عليهم؛ فصاحب الذوق السليم قادر على استجلاب القلوب، وإدخال السُّرُور على نفسه وعلى من حوله. وإذا ساد الذوق السليم في أسرة أو مجتمع رأينا كل فرد من هؤلاء يتجنب جرح إحساس غيره بأيِّ لفظ، أو عمل، أو إشارة، أو أيّ شيء يأباه الذوق. إن الذوق السليم في الإنسان يرفعه إلى حد أن يتخير الكلمة اللطيفة، والتصرف الملائم الذي يمنع الإحراج، ويدخل السُّرُور على الآخرين. بل إن صاحب الذوق السليم يأبى النزاع، وحدة الغضب. ولا يبالغ الإنسان إذا قال: إن رقي الذوق أكثر أثرًا في السعادة من رقي العقل؛ إن الذوق إذا رقي أنف من الأعمال الخسيسة، والأقوال النابية، والأفعال السخيفة. أما من جفَّ طبعه، وكَثَفَتْ نفسه، وقلَّ ذوقه - فلا تسل عمَّا سيحدثه من شرخ في الناس، وما سيجلبه من شقاء لنفسه وغيره، فتراه لا يراعي مشاعر الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون؛ فإذا ما حضر مجلسًا، وابتدر الكلام وضعت يدك على قلبك؛ خشية أن يزل، أو يُفرِّط على أحد من الحاضرين. فإذا ما وجد مجالاً يشبع فيه طبيعته النزقة الجهول - هام على وجّهه، لا ينتهي له صياح، ولا تنحبس له شِرَّة. فتارة يذكر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقه، وتارة يذكرهم بأمور يسوؤهم تذكرها. «أكب رجل من بني مرة على مالك بن أسماء يحدثه في يوم صيف، ويُغِمّه، ويثقل عليه، ثمَّ قال: أتدري من قتلنا منكم في الجاهلية؟. قال: لا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإسلام. وقال: من هم؟ قال: أنا قتلتني اليوم بطول حديثك، وكثرة فضولك». وقال ابن القيم -رحمه الله- : «ومنهم مَنْ مُخالطتُه حُمَّى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلَّم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها. بل إن تكلَّم فكلامه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يحدث من فيه كُلَّما تحدث، ويظن أنَّه مسك يطيب به المجلس، وأن سكت فأثقل من نصف الرّحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض. ويُذْكَرُ عن الشافعي -رحمه الله- أنَّه قال: ما جلس إلى ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر. ورأيت يومًا عند شيخنا ابن تيمية - قدس الله روحه - رجلاً من هذا الضرب، والشيخ يحمله وقد ضعفت القوى عن حمله، فالتفت إلي وقال: مجالسة الثقيل حمى الرَّبَع، ثمَّ قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى، فصارت لها عادة، أو كما قال». ولهذا فالرَّجل النبيل، ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين، ويحفظ عليهم كرامتهم وماء وجوههم. خالق النَّاس بخُلْقٍ حَسَنٍ لا تكن كلبًا على النَّاس يَهِرْ «قال بعضهم: صحبت الربيع بن خثيم عشرين عامًا ما سمعت منه كلمة تعاب». جامعة القصيم - كلية الشريعة والدِّراسات الإسلامية - قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة