مع كل العتب، وربما الغضب أيضاً، الذي نبديه كمواطنين تجاه وزارة الإسكان بسبب عدم وجود أثر ملموس لجهودها في حل أزمة السكن حتى الآن، رغم ما خُصص لها من مليارات عديدة من الريالات، رغم هذا العتب فإن الحقيقة التي علينا أن نواجهها هي أن الوزارة لن تستطيع تحقيق ما يأمله المواطنون ما لم تصدر قرارات من جهات ذات صلاحية أعلى من صلاحيات وزارة الإسكان تعالج المشكلة الأكبر وهي شح الأراضي وارتفاع أسعارها بسبب الاستحواذات والاستملاكات والطبيعة الاحتكارية التي صارت سمة من سمات القطاع العقاري. المسألة ببساطة وصدق أكبر من وزارة الإسكان. عندما نتأمل قضية الإسكان بحيادية وإنصاف، ونتجاوز الغضب المبدئي الذي نشعر به ونحن نرى البطء القاتل الذي يسير به أداء وزارة الإسكان رغم ما خُصص لها من مليارات طائلة، فإن النتيجة الحتمية التي سنصل إليها في تحليلنا لهذه القضية ستكون إدانة كاملة للقوانين المنظمة للمتاجرة في الأراضي واستملاكها إنْ كان ثمة تنظيم منطقي لهذا القطاع من الناحية الفعلية وهو أمر مشكوك فيه. في أحد الأحياء الرئيسة المكتظة بالمساكن والمتاجر والمكاتب بمدينة الرياض تجد أرضاً بيضاء يتجاوز محيطها أربعة كيلومترات مشرعة للريح والغبار والشمس تتجمع فيها الكلاب الضالة وتزعج الناس في الليل والنهار، فضلاً عن التجمعات المشبوهة لفئات من البشر لا يعلم سوى الله على ماذا تجتمع! تنبسط هذه المساحة الهائلة من الأراضي البيضاء وسط الحي فتعيق حركة الناس وتضطرهم إلى الالتفاف لمسافة كيلو مترات عديدة عند ذهابهم للتبضع أو لقضاء أي غرض من الأغراض داخل حيهم لأنها مقفلة ومحجوزة ولا يمكن اختراقها! وبالطبع مالكها أو ملاكها لا يأبهون بما يسببونه من متاعب لسكان الحي وكل ما يهمهم هو أن يتأكدوا من أن قيمتها تتضاعف كل عام فهي كما يقولون لا تأكل ولا تشرب ولا يدفعون لخزينة الدولة ضرائب بسبب تركها شاغرة! هذه هي الحقيقة، ويجب مواجهتها بشجاعة. فأزمة السكن تتفاقم، وبلادنا واحدة من أكثر بلدان العالم سعة في المساحة، وقد أنعم الله عليها بالثروة والقدرة المالية، وأنشأت الدولة وزارة للإسكان وصندوقاً لتقديم القروض العقارية الميسرة، والطلب على المساكن كبير ومتزايد، والنمو السكاني كبير. كل هذه العوامل تجعل من حل أزمة السكن نظرياً مسألة سهلة، لكن من الناحية الفعلية نجد أن هذه الأزمة تتفاقم وتتعقد. وسبب ذلك معروف وهو أن الأراضي التي يمكن أن تقام عليها المساكن ليست في متناول الناس، وليس لوزارة الإسكان سلطة لفرض الضرائب على الأراضي البيضاء المتروكة للمضاربة والتربح، ولهذا فقد لا يكون هناك حل قريب لمشكلة الإسكان رغم مليارات وزارة الإسكان وهذا ليس دفاعاً عن وزارة الإسكان ولكنها الحقيقة المؤلمة. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر