أتابع في هذا الأسبوع ما بدأته الأسبوع الماضي حول ارتفاع أسعار العقار واقتراح لمواجهة الأزمة. يمكن إضافة توضيح آخر لما طرح من أرقام وإحصائيات حول إسهام الهرم السكاني، ونشاط بناء المساكن في ظاهرة الغلاء الحالية. إحصائيات وزارة العدل تبين أن عقود الزواج زادت في سنة 1428ه بنسبة %58 على ما كانت عليه سنة 1421ه. فيما تبين إحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة أن المساكن في 1428ه زادت بنسبة %23 فقط على ما كانت عليه سنة 1421ه. وهكذا، فلكل خمس حالات زواج يتم إضافة وحدتين سكنيتين فقط. هناك اختلاف بين في السرعة بين تكوين الأسر الجديدة وإنشاء المساكن. إنها وصفة أنموذجية لتعميق الفجوة بين العرض والطلب. الطلب ينمو بشكل أسرع من العرض. بناء على هذه الحقائق، فإن الخمسمائة ألف وحدة سكنية قد تتعامل مع الطلب لسنوات قليلة فقط. لكن، الفجوة سترجع إلى حالتها الحالية وستتزايد مع الزمن. الحل يكمن في إدخال تغييرات جذرية على طبيعة الجسم العقاري ككل. نحتاج لمنظور استراتيجي لا يتعامل مع الأزمات بذهنية تسكين الألم، بل بذهنية تغيير عمل الجسم ككل. وبناء على ذلك أقترح حزمة حلول تركز على مسألة الأرض، العامل الرئيسي في غلاء المساكن اليوم. تتوزع هذه الحزمة على شقين؛ أحدهما مؤسساتي، والآخر إجرائي. فيما يخص الجانب المؤسساتي، وبما أننا دخلنا في حالة طلب متزايد على السكن، أقترح أن يُغيّر الترتيب المؤسسي الذي يتعاطى مع العقارات. أقترح في هذا المجال إنشاء هيئة للعقار شبيهة بهيئة سوق المال، هيئة تتمتع بالمرونة والفعالية، وفرض الحوكمة والشفافية على السوق العقارية. يفترض أن تلحق الأعمال الخاصة بتنظيم النشاط العقاري، وعلى رأس ذلك توثيق المبايعات، وإصدار الصكوك، وتنظيم تجارة العقار (وهي نشاطات موزعة حالياً بين وزارة العدل ووزارة التجارة) بهذه الهيئة. غياب هذه الهيئة سبب في بعض مشكلات السوق اليوم. مثلاً، حدث الكثير من التشوه في سوق الإسهامات العقارية وصل لحد أخذ أموال الناس بالباطل. ولذلك أوقف نشاط الإسهامات. قُصد بوقف الإسهامات حفظ أموال الناس، لكنه حل أصاب نشاط العرض في الأراضي السكنية بمقتل؛ فالإسهامات كانت تقوم على شراء أرض بيضاء وتخطيطها وبيعها. توقف هذا النشاط قلل العرض، بل وجه الأموال نحو المضاربة؛ ما ساعد على رفع الأسعار. لو كانت هناك هيئة للسوق العقارية لكان نشاط الإسهامات من التنظيم والإجادة بحيث يتفادى التشوهات التي أدت لتوقيفه، وهو حل أسهم في ما نحن فيه اليوم. يمكن لهذا الهيئة أن تزيل شرط تطوير الأرض على التاجر، حيث يحمل المستهلك النهائي قيمة التطوير. كما يمكن لوزارة الإسكان أن تزيد العرض، من خلال تخطيط مزيد من الأراضي وتوزيعها لمستحقي قروض صندوق التنمية العقارية، كما حصل في حي الجزيرة في الرياض. أما فيما يخص الجانب الإجرائي، فإنه يتركز على العامل الأساسي في ارتفاع أسعار العقار، أي الأرض. لا يوجد حالياً أي ضغط مالي على صاحب الأرض يجعل من احتفاظه بالأرض مكلفاً له. بل أثبتت التجارب أن العكس صحيح، وهو ما تعكسه مقولات من قبيل «العقار هو الابن البار» و»العقار يمرض ولا يموت». بما أننا مقبلون على حالة طلب متزايد، فإنه ليس من مصلحة التاجر أن يصرف ما لديه من أراضٍ. ولحل هذه المعضلة يجب جعل الاحتفاظ بالأرض مكلفاً مالياً ومصدر خسارة. وإلا فإن الأمور ستتفاقم حتماً. كيف؟ طرحت في هذا الشأن مسألة الضرائب على الأراضي البيضاء. لكن المقترح في شكله الحالي سيجعل من الضريبة أمراً مشابهاً لاشتراطات تخصيص %40 من الأرض البيضاء للمرافق العامة أو اشتراط تطوير الأرض، فتجار العقار نجحوا في تحميل المستهلك النهائي، طالب السكن، كل تلك التكاليف. الأراضي السكنية اليوم موزعة بين نوعين؛ أراضٍ بيضاء وأراضٍ مخططة. لابد من حل يقوم على إيجاد حالة تدفع باتجاه تصريف الأراضي المحتفظ بها لأغراض الاستثمار، أي جعل مصلحة أصحاب الأراضي في تصريفها عبر فرض ضريبة متزايدة على أراضيهم. مثلاً، ابتداء من 1434ه، ستكون هناك ضريبة على الأراضي البيضاء بنسبة %2 من القيمة المقدرة للأرض. وفي العام الذي يليه، ترتفع الضريبة إلى %5، ثم ترتفع كل سنة بنسبة %3، بحد أقصى %20 مثلاً. الأرض التي قيمتها مائة مليون، لن يدفع صاحبها ضريبة هذا العام، لكنه سيدفع مليونين العام المقبل، وخمسة ملايين في العام الذي يليه، ثم ثمانية ملايين. وابتداء من السنة السابعة، سيدفع كل سنة عشرين مليوناً. الاحتفاظ بالأرض سيكون مكلفاً، ولابد أن نجعله كذلك. طبيعة البناء السكاني تضغط علينا بوقائع يصعب تجاهلها. إذا تأخر التاجر في الدفع لسنوات، يمكن للهيئة الجديدة أن تبيع الأرض، وتحصل الضريبة، وترجع ما يتبقى لصاحب الأرض، تماماً كما تفعل البنوك مع المتأخرين في سداد البيوت المرهونة. الضرائب يجب أن تذهب لوزارة الإسكان، التي يمكن لها أن تنفقها في تمويل شراء المواطنين للأراضي؛ من أجل بناء المساكن، لو على شكل قروض بدون فوائد. أما القطع المخططة غير المبنية، فإنه يمكن تقسيمها إلى نوعين؛ سكنية (صك بفسح بناء) واستثمارية. السكنية لا يدفع صاحبها ضريبة حتى لم يبنيها لسنوات، لكنه إن قرر بيعها غير مبنية، حتى بعد عشرين عاماً، ستعامل معاملة الاستثماري، وستحصل ضرائبها على كل الفترة السابقة دفعة واحدة. أما الاستثمارية فيحصل عليها ضرائب متصاعدة، بطريقة الأراضي البيضاء نفسها .. هذا وضع يختلف بشكل جذري عن مقترح الضرائب على الأراضي البيضاء فقط. إنه وضع سيدفع باتجاه التصريف؛ ما يزيد العرض بشكل نأمل منه أن يتوازن مع البناء السكاني ذي الشكل الهرمي.