اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولغة التطور الفقهي وتحولاته، ومدى اتساع مساحة فتواه بما يتناسب والعصر الذي تظهر فيه هذه الفتوى، ومدى ما يشمله علوم القرآن.. وفي عصرنا هذا عصر المعلومات والتكنولوجيا؛ عصر الفضائيات والإنترنت، وفي هذه العصرنة، وبحكم ذوقها وتلميعها كما توصف.. هذا العصر الذي ألبس اللغة العربية منهجية جديدة، وجروها إلى شكل جديد، وأكثر تطوراً -حسب رؤياهم- وذلك بإدخال كلمات (أجنبية) غربية بين سطورها بفلسفة تتشكل ببراعة ( وفهلوة) ظناً منهم أن ذلك يتواكب وعصر (تويتر) و (فيس بوك)، ولكن كل هذا تخطيطاً غير مباشر لتهميش لغتنا ومسح هويتنا العربية التي أصبحت ملوثة بخلطها بمفردات أجنبية لتظهر لنا لغة ولهجة هشة غير قادرة على تماسك أطرافها، وقد أسميتها تجاوزاً (اللغة المخلوطة). لعل هنالك من لا يعد هذا الخلط مشكلة تستحق الطرح والإسهام والخوض في تفاصيلها، ويعده نوعاً من العصرنة، ولا يدرك في غفلةٍ أنه إهانة ومرض قد يصيب عربيتنا وعروبتنا..! حقيقةً إن الطفرة المعلوماتية الهائلة قد أعطت لغتنا نمطاً للأسف يدعو إلى أن ننسى جهوداً عظيمة بُذلت من أجل الحفاظ عليها، حفظاً لأصالتنا وعقيدتنا.. في وسط هذا الزخم الخطير من عصر الارتقاء اللا متناهي (تلخبطت) المعطيات، واختلط ما هو في حكم المباح مع غيره، كل ذلك في سبيل أو تحت مظلة التطور والعصرنة أو العولمة.. لهجاتنا قد أُصيبت بعدوى قد تفقدنا لغتنا الأم، بما خالطها من لغات يدعون أنها لغات عالمية، نعم هي كذلك، لكن ليس على حساب هويتنا العربية.. نعم لغة التخاطب العالمية (إنجليزية) ولا اعتراض ولكن الإعراض في فسخ الهوية..!! إن مسألة الخلط هذه اعتبرها البعض بكل جهلٍ ثقافة وانفتاح وتمدن، ولكن ذلك نوع من التشوه.. تشويهاً يمكن أن أشبهه بآثار الحروق الغائرة التي تظهر على جسم الإنسان بعد أن يتعافى.. الإنسان الغربي ما زال وسيبقى يحافظ على لغته الأم، أصالة منه وإخلاصاً للغته دونما يخلطها أو يشوهها بمفردات من خارج محيطها.. أما نحن فصارت ألسنتنا ملتوية تتدحرج منها كلمات غربية، نستخدمها في كثيرٍ من عاداتنا، فبدلاً من «السلام عليكم» صارت التحية (هلو) أو (هاي)، وبدلاً أن نقول: «إن شاء الله» أصبحنا نقول: (أوكيه) وغيرها من الألفاظ الاجتماعية الأخرى حيث (باي) تحولت بديلةً عن «في أمان الله»، و(ثنكيو) بديلة ل»جزاك الله خيراً» أو عن «شكراً ..» ويكون الاعتذار ب (سوري) وغيرها العديد والكثير الذي كأنه صار أساسياً في كلامنا ولهجتنا..!! ولم ينجُ علماؤنا وخطباؤنا من هذا الخلط وهم على منابرهم، الذي أخذ يستفحل فينا كلُ ذلك بحجة وعلى اتكاء مواكبة العصر للأسف.. يؤسفنا أن لا نجد من يدافع عن أصالة لغتنا، ويبادر بآلية بإقامة سداً وحواجز للحفاظ عليها، وحتى المؤتمرات التي تعقد للغة العربية لا تخلو من هذا الخلط، وعلى العكس تماماً نرفع رايات السلام البيضاء وحمائمه.. عموماً لا شك أن اللغات الأخرى تعدُ ثقافة وانفتاح وعولمة (كما يقال)، ولكن سوء التكنيك والاستخدام هو الجسر الذي لا بد أن ننظر إليه حتى نصل ولا نفقد ما نهدف الوصول إليه؛ وفي لغتنا مخارج ومعان عديدة، فالحرف الواحد كم له من دلالات؟ فكيف بالكلمة أو الجملة؟ نأمل أن لا تندثر أصالتنا ولا نفقد لساننا الذي أخذه الصمت واعوجاج الكلمة، وأوشكت أن تخطو نحو الالتواء.. وهذا ما يهدف إليه الغرب بأسلوب ومنهجية وبآلية مشوقة وشائقة. لغة الخطاب عندنا لا بد أن تتواكب ولغة العصرنة والعولمة وما يتطلبه هذا الوقت الراهن، لكن في حدود الحفاظ على هويتنا العربية، والتي لغتنا هي أهمها، فشبابنا أظنه واعي ويدرك أن لغته الأساس هي القداسة، وأن اللغة البديلة هي نوع من الثقافة ولكن ليست على حساب تشويه أصالتنا، ولغتنا التي هي لغة القرآن الكريم و منبع عقيدتنا وهويتنا، التي لا نرضى بغيرها هوية..!! [email protected]