أفادت تقارير إعلاميَّة مصريَّة أن وزارة الماليَّة قامت بإقالة المسئولين عن برنامج الصكوك، في إشارة غير مباشرة إلى تعليق العمل مع هذا الملف في الفترة القادمة. وكانت جريدة «الجزيرة» قد تنبهت لهذا المصير قبل أكثر من شهر عندما خرجت بتقرير موسع تحت عنوان: «صكوك «الربيع».. في مهب الريح». وذكرت حينها أن الضبابية السياسيَّة أصبحت عائقًا جليًّا أمام المخطط المصري للاستعانة بالصكوك الإسلامية وإحلالها بديلاً للسندات التَّقْليدية. حيث لا يعرف مصير الصكوك في حال خروج الأحزاب الإسلامية عن المشهد السياسي. وحبس المهتمون بالتمويل الإسلامي أنفاسهم بعد عزل مرسي المنتمي للإخوان المسلمين في مطلع يوليو تموز، الذي كانت حكومته تعول كثيرًا على الصكوك لتمويل عجز الموازنة وإنشاء مشروعات جديدة. وكان مجلس الشورى الذي سيطر عليه الإسلاميون قد أقر في مايو أيار قانونًا ينظِّم إصدار الصكوك لأوَّل مرَّة في البلاد بعدما أدَّى رفض الأزهر وأوساط شعبية لمسودات متعاقبة للقانون إلى تأجيل إقراره لأكثر من ستة أشهر. ونقل موقع صحيفة «مصراوي» تصريحًا للدكتور أحمد جلال وزير المالية، وذكر خلاله أن الحكومة الحالية يجب أن تكون حكومة انتقالية تأسيسية تتعامل مع مشكلاتها الملحة، وتعمل على الإصلاح في مجالات مختلفة. وأوضح أن الصكوك أحد الأدوات المعترف بها دوليًا، ولكن الاعتماد عليها بِشَكلٍّ أساسي في التمويل مستحيل، لافتًا إلى أنَّها أخذت أكبر من حجمها في الفترة الماضية وكأنها الوسيلة الوحيدة للحصول على التمويل. تنقية الوزارة من الإخوان وبالعودة إلى التفاصيل فقد قالت مصادر حكومية مصريَّة: إن وزير الماليَّة في الحكومة المصريَّة المؤقتة أحمد جلال، أقال عددًا من مستشاري الوزارة، بينهم مسؤولون ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين. وأضاف المصدر، في اتِّصال هاتفي لوكالة الأناضول للأنباء، أن القرار شمل منتمين لجماعة الإخوان المسلمين وهم، عبد الله شحاتة المستشار الاقتصادي لوزير الماليَّة ورئيس اللَّجْنة الاقتصاديَّة بحزب الحُرِّية والعدالة الذراع السياسيَّة لجماعة الإخوان المسلمين، وأحمد النجار مستشار وزير الماليَّة المشرف على ملف الصكوك. وحسب المصدر تَمَّ أيضًا إقالة مسئولين آخرين بالوزارة من بينهم ماجد شبيطة المستشار القانوني لوزير الماليَّة والمستشار بمجلس الدولة، وأحمد الجبالي مستشار الوزير لملف الصكوك والمختص بملف الترويج الخارجي. وحول مستشاري الوزارة المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، نبَّه الوزير إلى أنَّه ضد فكرة الإقصاء، ولكن التعديلات واردة بحسب الحاجة ووفقًا لمعايير الكفاءة. صحيفة الشروق المصريَّة نقلت تصريحات عن أحمد الجبالي، أحد المستشارين المقالين، ذكر فيه أنّه لم يتم إبلاغه عن استئناف العمل في الصكوك من وزارة الماليَّة حتَّى الآن، وأنَّه يجب تأجيل إصدارها. وتابع «أن الأوضاع الحالية غير المستقرة في مصر لا تسمح بتفعيل هذا المشروع. وكان مجلس الشورى الذي تَمَّ إلغاؤه بعد عزل الرئيس المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، قد أقر قانون الصكوك، وبدأت حكومة هشام قنديل السابقة في إعداد لائحته التنفيذيَّة تمهيدًا لتفعيله بعد انتهاء شهر رمضان، بهدف تمويل جزء من الموازنة من خلال حصيلة طرحها. وسعت الماليَّة لترتيب زيارات لدول الخليج المختلفة للترويج للقانون الجديد وتحديد ما إذا كان هذا القانون يتلاءم مع احتياجات المستثمرين في تلك الدول من عدمه، وقال الجبالي في تصريحات سابقة: إن هناك 10 مشروعات سيتم تمويلها بإصدار صكوك، في مجالات مثل إنتاج رمل الزجاج والصرف الصحي وتوليد الطاقة. وأضاف الجبالي أن هذا الوضع لن يشجَّع الإقبال على الصكوك المصريَّة لأنَّه مخيف للمستثمرين، وحتى يبدأ العمل مجدَّدًا في الصكوك لا بد أن يتوافر عاملان هما استقرار البلاد والتَّوصُّل إلى توافق مجتمعي حتَّى تتضح الصورة. ويُعدُّ الجبالي الذي ولد وتربى خارج مصر، ويعيش حاليًا في كندا، أن مشاركته في تأسيس نظام الصكوك بمصر مساهمة منه في «دعم بلاده»، ، موضحًا أن عمله في وزارة الماليَّة في هذا المجال «بدون أجر». ويعمل الجبالي كرئيس مجلس إدارة شركة يو إم فايننشال وهي شركة متخصصة في التمويل الإسلامي العقاري. ومن ناحية أخرى، توقع خبراء تحدَّثوا لوكالة رويترز أن تلعب الصكوك دورًا في المرحلة المقبلة بمصر رغم الإطاحة بنظام الرئيس الإسلامي محمد مرسي الذي ساندها بقوة في وجه معارضة شعبية ولكن لن يكون لها نفس البريق الذي حظيت به في ظلِّ حكومة مرسي. وأبدي المرسي حجازي أحد وزراء الماليَّة في حكومة هشام قنديل تفاؤلاً كبيرًا بالصكوك التي توقع أن تدر على مصر عشرة مليارات دولار سنويًّا تستخدم للمساهمة في سد عجز الموازنة وإنشاء مشروعات جديدة. وقال أحمد جلال وزير الماليَّة الجديد الأسبوع الماضي: إن الحكومة ليس لديها مشكلة في استخدام الصكوك الإسلامية لكنَّها لن تكون أداة رئيسة لتدبير الأموال. وقال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصريَّة للتمويل: إن «الصكوك ستكون إحدى أدوات التمويل وأحد البدائل أمام الدَّوْلة دون المبالغات السابقة. ويرى عادل أن تأثير خروج الإخوان المسلمين من الحكومة على الصكوك لن يكون كبيرًا والاختلاف الرئيس سيكون أن القطاع الخاص سيضطلع بالدور الرئيس في إصدارات الصكوك بدلاً من الحكومة.\ وقال: «الصكوك أقل تكلفة من الأدوات التَّقْليدية الأخرى وبها جزءٌ أساسيٌّ من المشاركة وهذا يجذب قطاعًا كبيرًا لها... وكونها متوافقة مع الشريعة يجذب شرائح مهمة من الخليج ويعمل بمصر حاليًا ثلاثة مصارف إسلاميَّة خالصة هي فيصل والبركة وأبوظبي الإسلامي مصر وتشغل كبرى البنوك التَّقْليدية نوافذ إسلاميَّة. ويخلو قانون البنوك في مصر من أيّ ذكر للمصرفية الإسلاميَّة. ويحتاج قانون الصكوك إلى إصدار لائحة تنفيذيَّة لتفعيله. وذكر عادل أنَّه من أجل المُضِيّ قدمًا في إصدار الصكوك تحتاج الحكومة إلى تعديل القانون الحالي قبل إصدار اللائحة التنفيذيَّة. وقال: «بعض الموادّ المُتَعَلِّقة باستخدام أصول الدَّوْلة كضمانة للصكوك تحتاج إلى أحكام أكبر. واللائحة التنفيذيَّة يجب أن تخضع لتشاور أكبر من جانب الخبراء. وأجرت صحيفة الأهرام مقابلة مع عبدالرحمن طه، خبير اقتصادي، الذي أكَّد أنَّه على الحكومة الحالية أن تراجع قانون الصكوك من جديد قبل إقرار تطبيقه على أرض الواقع نظرًا لما يشوبه العديد من التحفظات العملية، قانونية كانت أم اقتصاديَّة التي قد تُؤثِّر في الكيان الاقتصادي المصري بالسلب. وأضاف أن الصكوك كإحدى أدوات التمويل الإسلامي، لا غبار عليها من حيث المبدأ، إلا أن هناك العديد من الموادّ التي يجب أن يَتمَّ النَّظر فيها مجددًا. وتابع: مثال ذلك إحدى فقرات نصّ المادَّة 19 من قانون الصكوك، الذي يقرِّر بأن قرارات وفتاوى الهيئة الشرعيَّة نهائية وملزمة لجميع الجهات المشاركة في إصدار الصكوك، فنص تلك الفقرة يعني إعطاء سلطة الإفتاء لتلك الهيئة بجانب سلطة الإفتاء في الأزهر الشريف، فماذا لو حدث تضارب بين فتاوى الهيئة المركزية المنصوص عليها وإحدى فتاوى الأزهر الشريف؟ وما تأثير ذلك على المتعاملين وخصوصًا أن تشكيل تلك الهيئة يخلو من تمثيل الأزهر فيها؟. ويشير طه إلى أن المشرع اشترط عدم جواز تحريك الدعوى الجنائية إلا من قبل الهيئة العامَّة للرقابة الماليَّة أو بناء على شكوى من ممثلي جماعة مالكي الصكوك ولم يُعْطها للهيئة المركزية الشرعيَّة، في حين أنَّها من تراقب بِشَكلٍّ فعلى على تلك الصكوك، وأجدر في تقرير تحريك الدعوى الجنائية عن غيرها. ويؤكِّد طه في تصريحه لجريدة الأهرام أن عدم وجود هيئة شرعيَّة فيما يتعلّق بالصكوك الحكوميَّة يثير العديد من التساؤلات بشأن غيابها في هذا النِّطاق، ويَرَى أنّه يجب إعادة ترويج الصكوك مرة أخرى لإلغاء الصُّورة السلبية الموجودة في عيون المستثمرين الوطنيين المستهدفين من هذا القانون في الأصل.