إن الإسلام بشريعته الكاملة ومنهجه الشامل لم يترك شاردة ولا واردة إلا وأوجد لها ذكراً وبيّن لها حكماً, وهذا خير دليل وأوضح برهان على كمال الشريعة الإسلامية وشموليتها وسموها على الأديان الأخرى. والعيد على سبيل المثال شعيرة من الشعائر التي أولاها الإسلام جلَّ الاهتمام وتمام العناية لما لها من بالغ الأثر مع سمو الهدف وبعد النظر في حياة المسلم الدينية والاجتماعية على وجه التحديد, إلا أن الحقيقة المرة التي يجب ذكرها وعدم إغفالها هو أن مظاهر العيد وأفراحه الحقيقية لم تعد كما كانت في السابق حيث الصورة المشرقة الوضاءة لتلك الشعيرة يوم أن كانت النفوس أقرب ما تكون من بعضها حتى تصافحت تلك الأرواح قبل العين واليد وما ذلك إلا لصفائها ونقائها بعيداً عن التكلَّف والتصنع فاللقاء والمعايدة لم تكن من قبيل التطبع والتخلق بل خلق جُبلت عليه تلك الأنفس الأبّية ومآثر حسنة اعتادت عليها تلك الفئة من الناس بل استقرت في وجدانها وظلت جزءاً لا يتجزأ من حياتها وكيانها فلم تتأثّر بطغيان الحياة المادية البحتة ولم تستجب لعادات دخيلة أو تقاليد وافدة. أما في زمن المتغيّرات فإن الأمر يختلف من حيث الأساس ويتفق من حيث الشكل فمظاهر العيد واحدة إلا أنها تختلف وتتفاوت حسب أقدمية الزمان وتجدد المكان. ومع بالغ الأسف نجد من يقوم بزيارة معايدة أو تقديم تهانٍ عيدية على مضض وامتعاض تخلصًا من تبعات لاحقة وأداء لروتين جافٍ, كل هذا ظن من أولئك أنهم قاموا بالواجب وأدوا الرسالة إلا أنهم في الحقيقة لم يدركوا الحكمة ولم يصيبوا الهدف, والسؤال: متى تصحو تلك العقول من سباتها العميق؟ فالعيد في حقيقة الأمر فرصة غامرة يشترك فيها الصغير والكبير, ويتساوى بها الغني والفقير وتتقارب فيها النفوس وتتصافى من أدران الحقد والبغضاء, فما هو إلا تجديد وتأصيل لتلك المبادئ وتثبيت لها من منغصات الحياة وعاديات الزمن, وأخيراً وإن كانت هذه ليست ظاهرة واضحة للعيان إلا أنها موجودة في الميدان وعلى أرض الواقع. ختاما يجب أن نمعن النظر في أدائنا لعباداتنا وأفراحنا بما لا يتنافى مع شرعنا الحكيم وأن نستنبط الحكمة من بعض الشعائر والعبادات حتى ندرك النتيجة ونحقق الهدف, وكل عام وأنتم بخير.