شرع الله جل وعلا الصيام لحِكم عديدة وفوائد كبيرة، منها ما يتعلق بالراحة الجسديَّة والنَّفسيَّة والفكريَّة والعقيَّلة والصحيَّة. حيث اختلفت طرق الصيام وزمانه بين الأديان السماوية وبين الأديان الأرضية كتشريع، إلا أنه يبقى شعاراً موحداً بينهما، ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون . وهذه الآية الكريمة تؤكد تأكيداً قطعياً على حقيقة أقدمية هذا التشريع الإلهي، فإذًا لا بد أن نعرف حكمته القديمة والحديثة معاً، ولعل الحكم كثيرة ولكننا سنحصرها في ثلاثة نقاط مهمَّة: 1 - حكمة إلهية علمها عند ربِّ العباد. 2 - حكمة دينية وقد أجاد أهل العلم والفقه فيها. 3 - حكمة صحيحة وأجاد فيها أهل الاختصاص. فأوضح الباري سبحانه وتعالى أنه كتب علينا الصيام لنتقِيَّه سبحانه وتعالى، فدل ذلك على أن الصيام وسيلة للتقوى، والتقوى هي طاعة الله ورسوله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه. فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى ووسيلة قويَّة إلى التقوى في بقيَّة شؤون الدِّين والدَّنيا ومن فوائد هذا الشهر المبارك -تطهير النَّفس البشريَّة وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالشر والبطر والبخل، وتعويدها للأخلاق الفاضلة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله وتعريف العبد بنفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه، ويذكره بعظيم نعم الله عليه ويذكره أيضاً بحاجة إخوانه الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمعوزين، فيوجب له ذلك شكر الله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم في السَّرَّاء والضَّرَّاء. وفي الصيام تتطهر النَّفس البشريَّة من أوضارها وتستكمل الفضائل والصفاء، وهذا ما أراده الشاعر الحكيم حينما قال: أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان وفي شهر رمضان المبارك يتعود الصائم على الصبر ويتمرن على المصابرة, لأن رمضان شهر الصبر كما وصفه نبي هذه الأمة المحمدية عليه الصلاة والسلام بقوله: (والصيام نصف الصبر). وفي حديث آخر (وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة)، فيصبر الصائم عن المعاصي, ويصبر عن الشهوات, ويصبر على الطاعات, ويصبر على تناول الحلال الطيب، إرضاء لله تعالى وامتثالاً لشريعته الإسلامية وطمعاً في ثوابه ومغفرته ويصبح الصبر عنده, شكيمة, ويصير عادة وخلقاً والصيام جهاد النفس البشريَّة في التربيَّة والتوجيه ومخالفة الأهواء وحملها على الشجاعة في الحياة والإقدام على المصاعب وحثها على التضحية والبذل وتدريبها على جهاد الأعداء والصُّمود في المعارك والحروب والثبات على الحق والثقة بالنصر دون جزع أو هلع، وفي الصيام تربية جسدية ويتجلى ذلك في تنظيم أوقات الطعام والشراب واستراحة المعدة فترة من الوقت لتجديد حيويتها ونشاطها. وقال صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا)، فيأتي الصيام لمداواة علل الجسم وطرد السموم المتراكمة، ومساعدة الكبد على تعديل المدخرات الغذائيَّة, وراحة جهاز الهضم عامَّة والأمعاء خاصَّة، وهذا ينطبق على القاعدة الصحية الشهيرة التي تقول (المعدة بيت الداء, والحميَّة رأس كل دواء). لذا يُعَد الصيام تزكيَّة بدنية للمرء لما ورد في الحديث الشريف: (لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصُّوم)، وهو ما أرشد إليه الباري عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم) وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، إذ إن هذه الخصال النبيلة والقيِّم العاليَّة التي يؤكدها ويغرسها هذا الشهر المبارك في نفوس المسلمين هي نعمة من نعم الله علينا، حيث يضيء رمضان قلوب العباد ويغمرها بالحب الصادق والإيمان العميق.