لقد أصبحت الحاجة إلى العمالة المنزلية في مجتمعنا السعودي من الضرورات التي يصعب التراجع عنها، لكن في السنوات الأخيرة يلاحظ تزايد الجرائم التي تقترفها بعض خادمات المنازل ضد أطفال مكفوليهم، فبدلاً من إسهام الخادمة في ادخال الراحة والسعادة على الأسرة ، فإنها بدأت تجلب الرعب والمآسي والويلات، وإذا نظرنا إلى الأسباب التي تقف وراء السلوك الوحشي لبعض الخادمات اللاتي اقترفن جرائم القتل في حق أطفال أبرياء، فمن الصعب أن يعزى ذلك إلى سبب واحد، ويستلزم الأمر دراسة تستهدف التحليل العلمي لشخصية الجاني وخلفيته الاجتماعية والثقافية، ولكن على المستوى العام يمكن ترجيح عدد من العوامل المسببة لمثل هذا السلوك الشنيع الخارج عن نطاق الأخلاق الإنسانية، فمن ناحية قد يمثل هذا السلوك الوحشي تعبيراً عن الحالة النفسية والمزاجية التي تعيشها الخادمة ، فبعض الخادمات يفشلن في تحقيق التوافق والانسجام مع بيئة العمل الجديدة، خصوصاً عندما ينتابهن شعور عميق بالوحدة والعزلة الاجتماعية وقلة فرص الكلام والتحدث داخل الوسط الجديد ، وقد يتزايد ذلك في شكل ضغط نفسي تتولد عنه حالة من الاكتئاب الشديد الذي تتشوه معه إدراكات الشخص لعلاقاته مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويمكن ان يتحول سلوك الخادمة في هذه المرحلة من سلوك سلمي وطبيعي، إلى سلوك عنيف ومدمر، وقد أثبتت الكثير من الدراسات النفسية وجود علاقة سببية بين اضطراب الاكتئاب الحاد وبين اقتراف بعض الجرائم ذات الطابع العنيف ضد الغير وحتى ضد الذات ، كما يظهر ذلك في حالات الانتحار (تشير البحوث إلى أن الاكتئاب مسؤول عن 80 % من حالات الانتحار) . أيضاً يمكن أن يجتمع عامل الغيرة المرضية لدى بعض الخادمات مع عوامل محرضة أخرى، مما يدفع بعض الخادمات إلى اقتراف جرائم ضد واحدٍ أو أكثر من أفراد الأسرة التي تعمل الخادمة لديها، فمثلا إذا شعرت العاملة بكثرة الأعباء المنزلية مع تلقيها معاملة قاسية وتعنيف من قبل الأسرة ، فقد تشعر بدونية الذات وتستثار بداخلها الغيرة (المرضية) من مستوى المعيشة والرفاه الذي تعيشه بعض الأسر، فيظهر السلوك العدواني للخادمة كتعبير عن تلك الغيرة المحتقنة بداخلها. وهناك عامل تفسيري آخر يتصل بالعقائد والموروث الثقافي لبعض الخادمات ويُرجّح أن يكون هذا العامل مسؤولا عن الكثير من حالات قتل الأطفال، فمثلاً بعض العاملات الإثيوبيات يحملن اعتقاداً بقوى خفية تستند إلى السحر والخرافة، وهذا الاعتقاد يُملي على الخادمة التي رسخ لديها مثل هذا الاعتقاد، ألا سبيل لتكفير ما سبق أن اقترفته من ذنوب وأخطاء أو جرائم، إلا بتقديم «قربان» فتبحث ببشاعة عن هذا «القربان» منسلخة عن أي قيم أو مثل أو أخلاق. ولعل حوادث قتل الأطفال على أيدي بعض الخادمات يشير إلى أن الضحية دائماً يكون طفلاً ، لأن الجانية تستهدف الأضعف والأسهل في تنفيذ فعلتها البشعة (وقد نقلت إحدى الصحف الإلكترونية أن قاتلة الطفلة «إسراء» قد ذكرت في اعترافاتها أن فعلها كان بمثابة تقديم قربان لقوى خفية كانت تُلح عليها وتأمرها بذلك الفعل!). وهذا بالطبع لا يعني إطلاقا أن كل العاملات الإثيوبيات يحملن مثل تلك المعتقدات، ولكن فئات قليلة منهم فقط (أيضاً هذا لا يعني أن غيرهن من الجنسيات الأخرى لا يحملن نفس المعتقد)، وتكمن خطورة الأمر، في عدم إمكانية التعرف على مثل هذه المعتقدات لدى من يُستقدمن من إثيوبيا، لذا فإن ذلك يزيد من مخاوف وجود الخادمات الإثيوبيات في المنازل بصفة عامة، ولربما يستوجب الأمر صرف النظر عن الاستقدام من مواطنات ذلك البلد بصورة دائمة بعد أن صدر إيقاف الاستقدام بصورة مؤقتة. وإذا علمنا أن معدل جرائم الذكور عالميا يزيد على عشرة أضعاف الجرائم التي تسجل ضد النساء، فإن إحصاءات الأممالمتحدة الأخيرة تشير إلى أن إثيوبيا تحتل المرتبة الخامسة في معدل جرائم النساء عالمياً. وشخصياً اثمن قرار وزارة العمل الأخير بمنع استقدام العاملات من إثيوبيا حتى وإن كان ذلك بصورة مؤقتة. وأخيراً أرى ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة - بإذن الله - بوقف مآسي الأسر السعودية ووقف «إرهاب الخادمات» ، فعلى المستوى الرسمي أرى ضرورة إجراء فحص حالة الصحة النفسية للعاملة قبل أن تبدأ العمل في منزل الأسرة، أيضاً ضرورة التنسيق مع بلدان الاستقدام حتى لا يتم استقدام أصحاب السوابق الجنائية أو من يعانون من اضطرابات نفسية، وعلى المستوى الأسري، ينبغي أن تُحسِن العائلة معاملة الخادمة وهذا ما يدعونا إليه ديننا الحنيف، وأن تُعط الخادمة فترة راحة ونوم لا تقل عن 10 ساعات ، أيضاً ينبغي أن تكون ربة المنزل هي من تعطيها التوجيهات (وبلطف)، وألاّ تكلّف العاملة المنزلية بأعمال تزيد عن مهام النظافة وترتيب المنزل، وأقول لربة المنزل: تجنبِي إرغامها على حمل الأثقال، ولا تتركي أطفالك بمفردهم مع العاملة فهي مجرد عاملة نظافة لا مربية حسب العقد، حاولي بطريقة حذقة أن تتعرفي ما إذا كانت تحتفظ بشيء من أدوات السحر والشعوذة، احرصي على إحضار كتيبات التوعية بأمور الدين بلغتها (تتوافر مثل هذه الكتيبات في مكاتب توعية الجاليات)، لا تؤخري راتب العاملة عن موعد تسليمه لها واحتفظيبتواريخ وتواقيع التسلُّم ، خصصي مكاناً مستقلاً لراحة ونوم العاملة ، احذرِي من الخصام أو الشجار مع الخدم فشرعنا الحنيف يوجهنا إلى تجنب ذلك، وتذكري أن هناك عقدا نظاميا يحكم العلاقة بينكما ، وإذا لمستِ منها عنادا أو سوء تصرف حاولي توجيهها بلطف ورفق، فإن لم تستقم حاولي الاستغناء عنها بالطرق النظامية. وفي الختام أقول إن استطاعت ربة المنزل أن تدير شؤون بيتها بنفسها فهذا خيرٌ لها من وجود خادمة في منزلها . - أستاذ علم النفس الجنائي - جامعة الملك سعود