قد نشتري كل شيء في هذه الحياة إلا القلوب الصافية فهي تمنح نفسها بلا مقابل وهم أصحاب القلوب البيضاء، القلوب الصافية التي تحلق في سماء النقاء، لا تعرف الحقد ولا الحسد، يملؤها الرضا بما قسم الله، تلك القلوب لا يملكها إلا الأتقياء الأنقياء. تجد صاحب القلب الأبيض الصافي دائماً بشوش الوجه صافي السريرة، الابتسامة دائماً على وجهه ومحياه، يبتسم كلما رأيته حتى وإن كان يحمل هموماً أثقلته كثيراً، يغمره الحب والخير لكل الناس، يعرف قيمة الابتسامة في وجه أخيه المسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، تمر به الأحزان والهموم فلا يجزع لأنه يعلم أنه حتى الشوكة يشاكها له بها أجر. ما أعظم ذلك القلب وما أسعد صاحبه، تستطيع بذلك القلب أن تملك قلوب أعدائك بأدواتك البسيطة وهي سمو أخلاقك وتعاملك الحسن وتبسمك. هناك أمور تساعدنا على أن نملك مثل هذا القلب منها نبذ الحسد الذي يزرع الكراهية بين الناس فالحاسد والعياذ بالله نجده دائما مهموما كثير الشكوى لا يعيش سعيداً راضيا بما قسم الله له، ولا يحب لغيره أن يعيش سعيداً بما رزقه الله كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ومنها الرضا بما قسم الله لك لأن في ذلك سلامة الصدر من الحقد والحسد. وبسلامة الصدر توجب لك الجنة، ولعل قدوتنا في ذلك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة فما قرأنا في سيرته أنه غضب إلا لله ولم يحقد ويكره أحدا رغم كثرة الحاقدين عليه وعلى رسالته ولم يقابل الإساءة يوما إلا بالعفو والصفح، جلس يوما مع أصحابه فقال- صلى الله عليه وسلم-: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان اليوم الثاني قال النبي- صلى الله عليه وسلم- مقالته الأولى، فطلع ذلك الرجل، وكذلك في اليوم الثالث. فتبع عبد الله بن عمرو بن العاص ذلك الرجل فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا؟ فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي؟ فقال: نعم. قال أنس (راوي الحديث): وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات. فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي به. فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ذلك قال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق». رأينا أن بتلك الصفات استطاع الصحابي -رضي الله عنه- أن يفوز بالجنة وهذا يدلنا أن الأخلاق والمعاملة الحسنة وسلامة القلب هي من صفات أهل الجنة. فإن كان -أخي القارئ الكريم- من يحيط بك هم من أصحاب القلوب البيضاء الصافية فاستمسك بهم واقترب منهم وجالسهم فهم عملة نادرة جداً في زمن القلوب الملونة. أخيراً أقول: هناك أناس رسموا في قلوبنا بصمة رائعة بكلمة جميلة أو عبارة شيقة أو نصيحة قيمة أو ذكرى طيبة ومهما ابتعدوا وذهبوا فإننا نذكرهم كلما لاح طيفهم في الأفق فندعو لهم من قلوبنا كأقل واجب نقدمه لهم. ما أحوجنا في هذا الزمن خاصة لتطبيق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ما أحوجنا للتعامل فيما بيننا بصفاء نية وحسن مقصد وطوية. ما أحوجنا للتعامل فيما بيننا وقد أمن بعضنا بعضاً. حقيقة نحن في زمن يحتار فيه الإنسان: إن تعامل مع غيره بصدق وصراحة وإخلاص تعامل معه هؤلاء بأساليب وأنواع الاستغلال بل والاستغفال. وإن تعامل مع غيره بتحفظ تام وحيطة وحذر تعامل معه غيره بأسلوب جاف وعلاقة عمل فقط حسب الأنظمة والتعليمات وليست علاقة محبة وأخوة يجمعها العمل وهذا في الحقيقة مشكلة كبيرة بعض الناس يجبرك أن تتخلق بأخلاق ليست أخلاقك، وهذا واقع مشاهد. فلا شيء أجمل ولا أروع من صفاء قلوب الجميع، قلوب يجمعها المحبة في الله والوفاء فيما بينها والصدق في المعاملة، وأن يحب الإنسان لأخيه المسلم من الخير والسعادة ما يحب لنفسه سواء فيما يتعلق بالعمل أو فيما يتعلق في شتى شؤون الحياة. خواطر في نفسي أحببت المشاركة فيها والحديث عنها. أسأل الله تعالى أن يجعل قلوبنا جميعاً قلوباً طيبة مطمئنة طائعة لك، تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك وتخشاك حق خشيتك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.