التغيير السياسي في قيادة قطر، يعتبر حدثاً تاريخياً على مستوى العالم، وليس على مستوى المنطقة فقط، ومن يجادل في ذلك فليذكر لي حاكماً على مدى التاريخ، وعمره ستين سنة فقط، ويملك سلطات مطلقة، ودولته هي الأغنى في العالم، ثم يسلّم مقاليد الحكم، حتى ولو كان ذلك لابنه، ويمضي إلى حياة تقاعد، لم يعتد عليها منذ ولد، وبالتأكيد منذ أن حكم، قبل سبعة عشر سنة!! أطول من حَكَم في التاريخ هي الملكة فيكتوريا (62 عاماً)، ولم تتنازل لابنها إدوارد الثالث عشر، إلا نتيجة وفاتها، وذات الحال يتكرر اليوم مع الملكة إليزابيث الثانية، وهي تحتفل بيوبيلها الستيني!! لكل ذلك، فالحدث القطري هام، وستكون له تبعات مستقبلية، على كل المستويات، ولكن دعونا نقتصر على تقييم التأثير الاقتصادي: - قطر بلد صغير، تتضارب الأرقام حول عدد مواطنيه بين (300 – 500) ألف نسمة، وهو يملك رابع أعلى احتياطي من الغاز، ومن ثم يصنّف، بسبب هاتين المعلومتين، كأغنى دولة في العالم. وقد أدّى ذلك إلى استثمار فوائض مالية ضخمة حول العالم. - خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وبسبب التطورات في إنتاج النفط، والغاز من الرمل الصخري، في أمريكا، فإن دور قطر كمصدّر رئيسي للغاز المسال، إلى أمريكا، قد بدأ يتغير بشكل كبير، ومن المتوقع أن تصبح أمريكا مكتفية ذاتياً، ولا تحتاج إلى استيراد الغاز، ولكن هذا لا يمثل بالضرورة خطراً كبيراً على قطر، شريطة حدوث تغير عام، وسأوضح ذلك: - سياسة قطر الخارجية تجاه دول الخليج، وخصوصاً السعودية، كانت تتسم بالاختلاف في حالات كثيرة، وكان أهم المشاريع التي عانت بسبب تلك العلاقة، هو عدم قدرة قطر في استخدام الأراضي السعودية، لمد خطوط أنابيب، لتوفير الغاز لقطاع الكهرباء الكويتي. لذلك إن تغيرت السياسة القطرية، وتحققت نسبة توافق أكبر، فمن الممكن أن ينتج عن ذلك فرص استثمار كبيرة لقطر، من خلال تقليله من أثر التغيير في الوضع الأمريكي، وللمنطقة ككل، بسبب أن دولاً شرق أوسطية كثيرة ترغب في الغاز القطري، بدءاً بالسعودية، ودول الخليج، والأردن، وسوريا، وتركيا، ومصر، ومن ثم أوروبا، وكل تلك المشاريع المحتملة سترتكز على حق المرور من خلال الأراضي السعودية، وبالتأكيد ان لدى قطر فرصة التوجه إلى شرق آسيا، وهي منطقة متعطشة للطاقة (وإن كان ذلك سيتطلب استثمارات كبيرة في موانئ استقبال الغاز الآسيوية)، ولذلك فإن استخدام الأنابيب هو الأقل كلفة، والأضمن في استمراريته. لكل ذلك، فالتغيير في قطر، وإن نتج عنه توجه التكامل مع دول مجلس التعاون بشكل أكبر، فستكون هناك فائدة اقتصادية كبيرة لقطر وللسعودية ولباقي دول الخليج والمنطقة، وهناك مصالح اقتصادية أخرى تتجاوز موضوع الغاز. [email protected]