استكمالاً لسلسلة مقالات (نحن والآخر) التي خصصتها لأخطاء التفكير التي تعيق تواصلاً صحياً ومثمراً. لا بد أن أبدأ بالمظلة الأشمل والأضخم التي تجمع الكل تحت فيء متساوٍ من الحقوق والواجبات. وهي مظلة (الإنسانية). كونها الأساس الأول الذي لا بد أن تتفرع منه سلوكياتنا ومواقفنا ومفاهيمنا الأولية التي تمثل دافعية الأفعال أو ردود الأفعال. في يوم الفرد العادي وما بين البيت والعمل والدائرة الاجتماعية التي يحتبي داخلها يكون عرضة للاختيار بالطريقة الشمولية الأكبر أو بالطريقة الفئوية الأكثر تحيزاً ومحدودية لبناء مواقفه أو ردود أفعاله. وعلى ذلك أمثلة كثيرة: تخيّل أن يعترض طريقك حادث سيارة وثمة جرحى بحاجة للإسعاف. هل ستهب للنجدة كفعل إنساني دون معرفة الخلفية الدينية أو الإثنية للمصاب، أو أنك ستتوقف لبرهة لاستطلاع جنسية المصاب وانتمائه ودينه؟ إن هذه المواقف تعتبر المحك الحقيقي لاختبار اصطفافاتنا النشطة والفاعلة والحقيقة من تلك التي نرفعها شعاراً أجوف. ما يحدث اليوم في العالم على الصعيد الاجتماعي أو السياسي يعتبر تقهقراً واضحاً ومؤلماً للانتماء الإنساني على حساب المذاهب والتيارات والإثنيات. وما يحدث في سوريا -بالتحديد- لهو نتيجة طبيعية لتعبئة عمرها أزمان طويلة من تكريس للمذهبية على حساب الإنسانية والدين أيضاً. لم تكن مصادفة أن تتحول سوريا إلى معركة تصفية حسابات طائفية يعبأ من أجلها ويجر إليها الشباب البريء بالتحريض وشحن العواطف. تخيل معي أن تنتهي الحالة السورية بطريقة ما ويلتقي شاب من الشيشان وشاب لبناني كانا قد تواجها بالمدافع في سوريا. تخيّل أن أحدهما تعرض لحادث طارئ هل سيقوم الآخر بإسعافه؟.. أترك الجواب لك! علينا أن نعرف أولوياتنا. وأن نختار اصطفافنا وفق أعلى معيار من الإنصاف والعدالة. بعيدا عن التضليل الإعلامي أو التعبئة أو الخطاب الطائفي المقيت. على الجانب السني تتضح الطائفية وعدمها بشكل لا يحتمل الخلط. فهناك فئة ضللت الطائفية عين الإنصاف فيها وفرطت بمعيار الإنسانية بشكل واضح. ولكن الجانب المعتدل أيضا واضح في مواقفه الإنسانية وعدم الاصطفاف مع الطغاة والمحرضين رغم تشابه المذهب. الجانب الشيعي أكثر تعقيداً. فقد نتفاجأ بأن المواقف الطافية على السطح يغلب عليها الاصطفاف الطائفي المتطرف والأعمى، فيما يدفن المعتدلون رؤسهم في التراب! إن السكوت الشيعي مثير للأسئلة بحق. ربما نعرف المشتركات التي تبرر الاصطفاف الطائفي من متطرفي الفئتين. لكن ما الذي يدفع بمثقفي ورموز الشيعة لأن يحجمون عن أي تصريح واضح يندد أو يرفض عمل مستبد إذا تشابه المذهب؟ الأمر بحاجة لاختراق تيار الصمت ولأن لا نخجل من نبذ الطائفيات والاصطفافات المجحفة على الملأ.. وقبل هذا أن نبدأ من الداخل ونتخذ موقفا ناصعا وإنسانيا من الآخر قبل أي اعتبار مذهبي أو عرقي مجحف. [email protected] kowthermusa@ تويتر