اعتبر المهندس عبدالسلام محمد المطلق رئيس مجلس إدارة شركة الفنار، إحدى الشركات الكبرى العاملة في مجال الكهرباء، أن الصناعة في قطاع الكهرباء: «تواجه، كغيرها من الصناعات المحلية، العديد من المعوقات تنطوي تحت عناوين رئيسية كعدم تفعيل الحماية والبنية التحتية بالإضافة لتعقيد إجراءات التسهيلات والإعفاءات الجمركية». وقال المطلق، الذي تطور شركته وتصنع أكثر من 800 منتج كهربائي، إن انفتاح سوق المملكة على الأسواق العالمية: «عزز من مستوى المنافسة وفرض على الصناعات الوطنية حتمية المنافسة مع الصناعات والمنتجات الأجنبية مما أكسبها قوة وقابلية للمنافسة». وكشف رئيس مجلس إدارة شركة الفنار، في حوار أجرته معه «الجزيرة» عن أن الشركة ساهمت في خلق فرص عمل وطنية تمثلت إحداها ب «إنشاء مجمع نسائي على مساحة 5000 م2 مجهز بكافة متطلبات السلامة والخصوصية ويشغله حاليا أكثر من 700 عاملة محترفة في مجال تصنيع وتجميع القواطع الكهربائية». فإلى تفاصيل الحوار: * كيف تقيم تجربة شركة الفنار في توطين الصناعة؟ - تؤمن شركة الفنار ومنذ انطلاقتها في عالم التصنيع عام 1994 بأهمية توطين الصناعة كمدخل حيوي لتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة. ولتحقيق هذا الهدف أيقنت الشركة ضرورة العمل على محاور أساسية أولها السوق؛ إذ لا يمكن لأي مشروع صناعي أن ينجح ما لم يتوفر له التسويق المناسب الذي يضمن تأمين المنتج المناسب للسوق المناسب، وقد فشلت العديد من المشاريع لغياب هذا العامل الأساسي. وعليه فقد قامت شركة الفنار بخلق نظام متطور للمبيعات والتسويق والخدمات اللوجستية مدعما بنظام SAP لإدارة الأعمال، يعمل بهذا النظام فريق عمل مكون من أكثر من 600 مهندس ومندوب مبيعات مسؤولين عن تسويق عدد كبير من المنتجات الإنشائية الكهربائية في المملكة ومختلف أنحاء العالم. وثانيها أساليب وتقنيات التصنيع حيث إن من أهم محاور توطين الصناعة هو امتلاك وتطوير تقنيات تصنيع مبتكرة وفعالة لتحقيق مستوى عال من الفعالية الإنتاجية تواكب التطورات في عالم التصنيع. وعليه فقد قامت شركة الفنار بتطوير وابتكار العديد من الحلول التصنيعية والتقنيات الجديدة للتصنيع أدت إلى رفع مستوى المهارات المحلية وقللت الاعتماد على الخارج ونذكر على سبيل المثال واحدة من التجارب الناجحة في هذا المجال وهي تصميم وتطوير خطوط إنتاج مؤتمتة لتجميع منتج الأفياش والمفاتيح الكهربائية محليا وبشكل كامل. وثالثها المنتج وعند الحديث عن المنتج لا بد من الإشارة لعاملين اثنين يعتبران أساسا في نجاح تجربة الصناعة: الأول هو الجودة، حيث تقوم الشركة بجهد واعٍ لرفع جودة المنتجات إلى مستوى ليس فقط مساوياً بل أعلى من المنتجات الأجنبية والتي يتم إنتاجها في دول صناعية ذات سمعة مرموقة، وذلك بهدف تخطي الفكرة السائدة عن منتجات العالم الثالث ومنها السعودية ويتضح ذلك جليا في المنتجات الكهربائية وذات التقنية العالية أكثر من المنتجات الاستهلاكية مثل الألبان والمنتجات البلاستيكية التي تخطت هذه المرحلة وبنت لنفسها سمعة جيدة. تخضع جميع منتجات الشركة لاختبارات صارمة قبل نزولها للأسواق تتعدى مثيلاتها من المنتجات الأجنبية المنافسة وذلك لتأمين مستويات سلامة عالية لمستخدميها. والثاني هو ملاءمة المنتج لاحتياجات السوق حيث قامت شركة الفنار من خلال إيلائها أهمية كبيرة للبحث والتطوير ومن خلال العديد من المصانع والمراكز البحثية والتطويرية في كل من المملكة والمملكة المتحدة والهند بتصنيع أكثر من 800 منتج كهربائي تندرج تحت العديد من التصنيفات وتشمل الأفياش والمفاتيح والكابلات والقواطع الكهربائية والمحولات وغيرها لخدمة السوق والمجتمع. وقد قامت شركة الفنار بابتكار وتطوير منتجات كهربائية تتلاءم واحتياجات السوق المحلية بشكل أساسي وقد تمثل ذلك في العديد من المنتجات على اختلاف أنواعها. * هل لك أن تعطينا أمثلة عن تلك المنتجات؟ - أحد المنتجات هو الفيش الذكي حيث أنتج لحل مشكلة التمييز بين الفولطية 110 و220 في الأفياش الكهربائية للمستخدمين سواء في المنازل أوالمباني التجارية -وبالمناسبة هذه المشكلة الموجودة فقط في المملكة ولا توجد في أي من دول الشرق الأوسط الأخرى- فقد تم ابتكار الفيش الذكي الذي يساعد في التمييز بين 110 و220 فولتاً لتأمين حماية أكثر للإنسان والأدوات الكهربائية وقد لاقى هذا المنتج رواجاً منقطع النظير لدى كافة شرائح المستهلكين. هناك أيضا منتجات أخرى كثيرة تخدم البيئة المحلية وصممت خصيصاً لها، فنظراً للظروف الجوية القاسية السائدة في المملكة فقد قامت شركة الفنار بتصنيع كافة المنتجات بشكل يتواءم مع تلك الظروف كمواءمتها لدرجة الحرارة 55 بدلا من 45 السائدة في المنتج الأجنبي الذي صنع أساسا ليتواءم مع المعايير العالمية وليس مع المعايير الخاصة بكل بلد على حدة على عكس المنتج المحلي الذي يراعي الظروف الخاصة بالبلد. * وما هي أهمية توطين الصناعة في تطوير المجتمع المحلي؟ - انطلاقاً من مفهوم الترابطات التي تفرزها عملية توطين الصناعة وذلك من خلال نشوء صناعات جديدة لتلبية احتياجات صناعات قائمة يظهر جليا دور توطين الصناعة في تطوير المجتمع المحلي وذلك من خلال عدة مؤشرات تحققت في تجربة شركة الفنار؛ منها نمو حجم الاستثمارات المحلية لشركة الفنار في مجالات مترابطة مع الصناعة القائمة التي بدأت بها الشركة الذي نتج عنه خلق صناعات محلية ناشئة ترفد شركة الفنار ببعض احتياجاتها وتخلق فرصاً للآخرين. على سبيل المثال صناعة بكرات لف الأسلاك الكهربائية التي تصل ل 6 ملايين بكرة سنوياً. وخلق فرص عمل وطنية تمثل إحداها بإنشاء مجمع نسائي على مساحة 5000 م2 مجهز بكافة متطلبات السلامة والخصوصية ويشغله حاليا أكثر من 700 عاملة محترفة في مجال تصنيع وتجميع القواطع الكهربائية. وهناك عامل آخر يساهم به توطين الصناعة وهو الاستغناء عن الاستيراد، حيث قامت شركة الفنار بتوفير ما قيمته 3000 مليون ريال العام الماضي لصالح الميزان التجاري الوطني كبديل عن الاستيراد. هذا ناهيك عما تم تصديره للدول الأخرى من منتجات الشركة. * برأيك.. ما هي محفزات الصناعة الوطنية؟ - توجد الكثير من المحفزات لتوطين الصناعة التي ساعدت على نمو الصناعات الوطنية حيث تتمتع المملكة بوجود مناخ جاذب للاستثمار وقد دأبت الحكومة السعودية على تقديم كافة أشكال الدعم للصناعات الوطنية الناشئة عبر عدد من الإجراءات أهمها إنشاء المدن الصناعية، حيث قامت الحكومة السعودية بإنشاء العديد من المدن الصناعية المجهزة بكافة التسهيلات والخدمات الضرورية لاستقطاب الاستثمارات الوطنية الصناعية وكانت تقدم خدمات جليلة للصناعة من تشييد الطرق وشبكات المياه والكهرباء والتي كانت تقدم إلى الصناعيين بسعر شبه مجاني. وهناك أيضاً التمويل الصناعي حيث لا ننسى الدور الجبار الذي قام به صندوق التنمية الصناعي السعودي والخدمات الجليلة التي قدمها سواء بتقديم التمويل اللازم أو بالمساعدة في إعداد الدراسات الاقتصادية الضرورية لمساعدة الصناعة الناشئة، علماً أن النهضة العمرانية التي شهدتها المملكة كان لها أكبر الأثر في إيجاد سوق كبير شكل حاضنة حقيقية للصناعة الوليدة مما أدى إلى انطلاق الصناعات السعودية الوطنية في مجالات مختلفة بقوة مما أكسبها سمعة جيدة ووضعها في مصاف كبريات الصناعات ذات الجودة العالية. ولقد عزز انفتاح سوق المملكة على الأسواق العالمية من مستوى المنافسة وفرض على الصناعات الوطنية حتمية المنافسة مع الصناعات والمنتجات الأجنبية مما أكسبها قوة وقابلية للمنافسة. بالإضافة إلى ذلك فإن كافة المواد الأولية التي تدخل في الصناعة معفاة من الرسوم الجمركية حين استيرادها من مصادر أجنبية مما يعطي دعماً إضافياً للصناعة. أمنيات لدعم الصناعة * لو طلبنا منكم وضع قائمة بأمنياتكم للأمور المطلوبة لدعم الصناعة الوطنية الناشئة، فماذا ستكون القائمة؟ - سيكون أولها العمل على دعم الصناعات الناشئة من خلال الاستثمار في البنية التحتية وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية. وثانيها العمل على تفعيل التشريعات لتعامل المنتج المحلي على قدم المساواة مع المنتج الأجنبي وليس أقل منه رغم أن التشريعات الموجودة تنص على تفضيل المنتجات المحلية. وثالثها تسهيل إجراءات الإعفاءات الجمركية للمواد الداخلة في الصناعة المحلية. * ما هو دور الشركة السعودية للكهرباء في تنمية وتوطين الصناعات والخدمات المرتبطة بالكهرباء؟ - الشركة السعودية للكهرباء تشجع الصناعات المحلية والمساعدة في توطينها عن طريق مجموعة من الإجراءات والآليات أولها قيام الشركة بتأمين كافة الاحتياجات التي يمكن تأمينها محلياً من السوق المحلي ويوجد لديها كادر متمرس في هذا الأمر كما أن ذلك يتسم بالشفافية التامة حيث يجري إعلام الموردين مقدماً بخطة الشركة الخاصة بالتوريد والتنسيق معهم بخصوص إمكانياتهم في التوريد. وثانياً تقوم الشركة بتأهيل الموردين والتأكد من جودة منتجاتهم وفق أسس ممنهجة وقد يشتكي الموردون من ذلك، فمثلاً لتأهيل محول كهربائي فإنه بعد تقديم كافة شهادات الاختبار المطلوبة يتم إعطاء طلبية تجريبية تجري مراقبتها لفترة سنة بعد ذلك لكي تحصل على الاعتماد النهائي. وبالرغم من صعوبة هذه الإجراءات إلا أنها تؤدي في النهاية إلى تأهيل الموردين بشكل احترافي ويعتبر هذا التأهيل شهادة اختبار للمنتج لا تعادلها أي شهادة أخرى مما يجعله قادراً على المنافسة في أي سوق آخر. وهناك كثير من العملاء خارج المملكة يكتفون بشهادة التأهيل الصادرة من الشركة السعودية للكهرباء عند التعامل مع الموردين السعوديين وتأهيلهم. وثالثاً تعمل الشركة السعودية للكهرباء مع الموردين المحليين لتطوير المنتجات التي ينتجونها لتلائم متطلبات الشركة مما يعطيهم ميزة نسبية واضحة. ورابعاً فإنه إضافة إلى ذلك فإن الشركة السعودية للكهرباء تقوم بتنفيذ معظم مشاريعها عن طريق مقاولين قامت بتأهيلهم على مر السنين وفق معايير صارمة مما أدى إلى تكوين مجموعة كبيرة من المقاولين يقومون بتنفيذ معظم مشاريع الشركة مما يصب في النهاية بمصلحة الشركة. وأخيرا.. من البديهي أن هدف الشركة السعودية للكهرباء هو توليد ونقل الكهرباء في المملكة إلا أن التركيز على هذا الهدف لم يمنعها من القيام بتحقيق أهداف أخرى جانبية تصب في مصلحة الاقتصاد والمجتمع المحلي وتدعم فعاليات الشركة في نفس الوقت.