دعوة كريمة تلقيتها من الزميل العزيز محمد يحيى القحطاني رئيس القسم الفني في جزيرتنا الغراء أن أكتب عن ذكرياتي مع عدد من الفنانين عبر مشواري مع مهنة المتاعب والذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود وحفل بذكريات مع مختلف الشرائح المكونة لمجتمعنا. وهذه الذكريات واسعة وممتدة لسنوات لكني اقتصرت على ذكر موقف واحد من عدة مواقف حسب ما يسمح به الحيز لعل الأيام تسمح بتدوينها كاملة وإخراجها في كتاب أو كتب فالشخصيات التي جمعتني بها الصدف والظروف هم نجوم في الفن والشعر والأدب يقر المجتمع بنجوميتهم ومن مختلف أنحاء الوطن العربي الكبير. وها أنذا وتلبية لهذه الدعوة أبدأ هذه الذكريات مع الفنان الكبير والمثقف الموسوعي أبوبكر سالم بلفقيه «أبو أصيل» أمدّ الله في عمره. بدأت علاقتي بأبي أصيل عام 1982 ميلادية كنت حينها أعمل في الملحقية الإعلامية بالسفارة اليمنية ومتعاونا مع جريدة عكاظ وبعد أكثر من اتصال تلفوني دعاني أبو أصيل إلى زيارته في الرياض، ولبيت الدعوة وكان اللقاء الأول في منزله بحي الروضة وعندما استقبلني على بوابة المنزل أبدى بظرفه المعهود استغرابه من أني فيصل العوضي حيث كنت يومها لا أزال يافعا قال أبو أصيل، أنا منتظر القاضي فيصل العوضي بعمته، ووقاره فرددت عليه ضاحكا: هل أرجع؟ فرحب بي ولما دلفنا إلى الداخل كان هناك مجموعة من الفنانين الخليجيين منهم الفنان عبد المحسن المهنا والفنان إبراهيم جمعة والمرحوم الشاعر فائق عبد الجليل. كانت ليلة من ليالي الفن والثقافة ودار حوار حول الألوان الغنائية في الجزيرة والخليج وانتصرت للأغنية اليمنية بتشجيع من أبي أصيل. بعدها تواصلت الزيارات وكان أبو أصيل يعد لإطلاق رائعته من التراث الصنعاني «رسولي قوم بلغ لي إشارة» ودعاني إلى منزله وأسمعني إياها على شريط من الريل الإذاعي القديم وطلب رأيي وكانت أجمل من أن يكون لي أو لغيري رأي فيها لكن أبا أصيل كاشفني أنه عندما غنى «وامغرد بوادي الدور» وهي تقريبا أول أغنية من التراث الصنعاني يؤديها تعرض لبعض الانتقادات وخاصة من فناني اليمن فأراد أن تكون هذه الأغنية سليمة وخالية من أي هنات واستمرت رحلته بعد ذلك باختياره لعيون التراث الصنعاني بثقافته المميزة وحسه الذي يفوق الوصف. وظلت العلاقة متصلة مع أبي أصيل وكان كريما معي فاستضافني بمنزله في القاهرة لمدة 3 أشهر حيث كان عندي دورة في صحيفة الأهرام المصرية وكانت أسمار وليالي ممتدة بيني وبين أبي أصيل باح فيها بكثير من مكنونات أسراره وشرفني بالاطلاع عليها.