الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    أغرب القوانين اليابانية    أخضر الشاطئية يتغلّب على الصين في ختام بطولة كأس نيوم الدولية    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    «مَلَكية العلا»: منع المناورات والقيادة غير المنتظمة في الغطاء النباتي    سعرها 48 مليون دولار.. امرأة تزين صدرها ب500 ماسة    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    أكثر من 92 ألف طالب وطالبة في مدارس تعليم محايل    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    تجاوز الدحيل القطري.. الخليج ينفرد بصدارة الثانية في «آسيوية اليد»    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهة أندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    منتخبنا فوق الجميع    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    عروض ترفيهية    المملكة تستعرض إنجازاتها لاستدامة وكفاءة الطاقة    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    ضبط أكثر من 20 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    إشادة سعودية – فرنسية بتقدم مشروع «فيلا الحجر»    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    عمق إنساني    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    ألوان الأرصفة ودلالاتها    «الجودة» في عصر التقنيات المتقدمة !    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية    ابنتي التي غيّبها الموت..    زيلينسكي يفضل الحلول الدبلوماسية.. ومجموعة السبع تهاجم روسيا    إحباط تهريب (32200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    اتحاد القدم يحصل على العضوية الذهبية في ميثاق الاتحاد الآسيوي لكرة القدم للواعدين    الزفير يكشف سرطان الرئة    تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد لعلاج القلب    القهوة سريعة الذوبان تهدد بالسرطان    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنجلاديش تبحث عن العدالة
شاشي ثارور
نشر في الجزيرة يوم 31 - 05 - 2013

نيودلهي - إن ذلك البحر من البشر الذين يحاصرون منطقة شاهباج في دكا عاصمة بنجلاديش منذ شهرين لهم مطلب غريب، غريب على شبه القارة الهندية على الأقل. فالمتظاهرون يصرخون مطالبين بالعدالة لضحايا مذابح الإبادة الجماعية في عام 1971 والتي أدت إلى انفصال منطقة شرق باكستان سابقاً عن باكستان.
كانت المظاهرات عفوية وغير منظمة وفوضوية، ولكنها كانت أيضاً حماسية وملتهبة المشاعر وسلمية على نحو لافت للنظر. والواقع أن كثيرين من عدة آلاف من المتظاهرين في شاهباج أحدث سناً من أن يكونوا بين أولئك الذين شهدوا شخصياً المذابح التي صاحبت المحاولة الوحشية، والفاشلة في نهاية المطاف، من قِبَل الجيش الباكستاني لقمع حركة الاستقلال الوليدة هناك. ولكن ما يبث فيهم هذا القدر الهائل من الحماس والإصرار مثل أعلى - اقتناع عميق بأن الاشتراك في جريمة القتل الجماعي لا ينبغي أن يمر من دون عقاب، وأن العدالة ضرورة أساسية لكي تندمل بالكامل جراح المجتمع البنجلادشي التي ترجع إلى أربعة عقود مضت.
والغريب في هذا التطور هو أن شبه القارة فضلت نسيان الظلم الوحشي الذي خَلَّف ندبة عميقة على تاريخها الحديث. فقد حصدت همجية تقسيم شبه القارة إلى الهند وباكستان أرواح مليون إنسان، وشردت أكثر من 13 مليوناً آخرين. ورغم هذا فلم يوجه الاتهام إلى أي شخص بارتكاب جريمة، ناهيك عن محاكمته أو عقابه.
لقد شهد عام 1971 ذبح ما يقدر بنحو مليون إنسان في بنجلاديش، وفي عامنا هذا فقط قُدِّم بعض الجناة المحليين للمحاكمة. في كل عام تقريباً، في مكان ما من شبه القارة، تحصد أعمال الشغب المحرضة سياسياً أرواح العشرات من الناس وأحياناً المئات، بل والآلاف باسم الدين أو الطائفة أو العرق. ومرة أخرى، تجرى التحقيقات وتُعَد التقارير، ولكن لا أحد يمثل أمام العدالة أبداً.
وعلى حد تعبير ستالين: إن قتل شخص واحد عمداً هو جريمة قتل، أما قتل المئات أو الآلاف أو الملايين فهو مجرد بند إحصائي قاس.
بيد أن مثالية شباب بنجلاديش تشير إلى تطور جديد. كان ذلك الفيض المتدفق من المشاعر الواضح في شاهباج مستفزاً بقرار صادر عن محكمة جنائية دولية عقدتها الحكومة. فقد وجدت المحكمة التي تحاكم أشخاصاً في قضايا تتصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أحد الأعضاء البارزين في الحزب الإسلامي الأكبر في بنجلاديش، الجماعة الإسلامية مذنباً بتهمة التواطؤ في قتل 300 شخص، ولكنها أصدرت عليه حكماً بعقوبة مخففة نسبياً بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً (وكان الادعاء قد طالب بعقوبة الإعدام).
وبالمطالبة بعقوبات صارمة ضد المذنبين بجرائم حرب وليس الجيش الباكستاني قبل فترة طويلة، بل المتعاونين المحليين معه في جماعات مثل الجماعة الإسلامية، وبدر، والشمس، والمتطوعين غير النظاميين فإن المحتجين أيضاً يصفون ضمناً المجتمع الذين يودون أن يعيشوا فيه: مجتمع علماني، تعددي، ديمقراطي.
إن هذه الكلمات منصوص عليها في دستور بنجلاديش، والذي يعلن في الوقت نفسه أن الجمهورية دولة إسلامية. وفي حين لا يرى البعض تعارضاً، فإن مجرد زعم العديد من المتعاونين الذين قتلوا البنغاليين العلمانيين المناصرين للديمقراطية في عام 1971 أنهم فعلوا ذلك باسم الإسلام يشير إلى توترات واضحة.
وإذا كنا في حاجة إلى أي دليل على هذا الصدام بين القيم، فقد جاء ذلك الدليل في هيئة مظاهرات مضادة ضخمة إلى حد مبهر ضد حركة شاهباج تحت قيادة حركة الأصوليين الإسلاميين «الحفاظ على الإسلام» التي احتلت منطقة موتيجهيل في العاصمة. وعلى النقيض من أحداث شاهباج، فإن المظاهرات المضادة كانت جيدة التنظيم والتخطيط، ونقلت رسالة صارخة مفادها أن هناك وجهة نظر بديلة في هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة.
فقد أعرب المتظاهرون الملتحون الذين يرتدون غطاء الرأس في صوت صارخ منسجم عن اتفاقهم مع المتحدثين الذين أدانوا المحكمة الجنائية الدولية والحكومة العلمانية التي أنشأتها حسب زعمهم. ومن بين مؤيديهم ناشطون من حركة الجهاد الإسلامي في بنجلاديش، التي قاتلت إلى جانب حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان.
إن المناظرة بين الأصولية الدينية والديمقراطية العلمانية ليست جديدة في شبه القارة. ولكن قضية العدالة عن الجرائم التي ارتكبت عام 1971 جعلت الفجوة أشد وضوحا. فالمحتجون في شاهباج يرفضون نفوذ المتطرفين الإسلاميين في بنجلاديش، بل ويدعون إلى حظر منظمات مثل الجماعة الإسلامية، في حين تريد جماعة الحفاظ على الإسلام وأنصارها قمع القوى الليبرالية في البلاد، وإلقاء القبض على المدونين العلمانيين، وفرض نظام إسلامي صارم على المجتمع في بنجلاديش.
إن الشباب في شاهباج ينتمون إلى المناطق الحضرية في الأساس، وكلهم متعلمون ومن أبناء الطبقة المتوسطة؛ أما الحركة المضادة فإنها تستمد الدعم من فقراء المناطق الريفية في الأساس. التقليدي في مواجهة الحديث، والحضري في مواجهة الريفي، والمثقفون في مواجهة أهل الريف: هذه التقسيمات هي الصيغ السياسية المبتذلة السائدة الآن. ولكن كثيراً ما تترسخ مثل هذه الصيغ المبتذلة لأنها صادقة.
والواقع أن الحكومة في بنجلاديش أكثر ميلاً إلى التعاطف مع المحتجين في شاهباج. ولكن يتعين عليها أن تبحر عبر مسار صعب، لأن كلاً من وجهتي النظر تحظى بتأييد شعبي كبير. بل إن السلطات اتخذت خطوات لاسترضاء الإسلاميين باعتقال أربعة مدونين. ولكن الحكومة تظل حازمة في دعمها للمحكمة الدولية.
والمفارقة هنا هي أن صحيح الدين لا يتعارض أبداً مع العدالة. ولكن عندما تلتمس العدالة عن الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الذين يدعون أنهم يعملون باسم الدين فإن شرط المناقشة تتغير بالكامل. وعندئذ يتطرق الأمر إلى قضية كان البعض حريصين على تجنبها في بنجلاديش لفترة طويلة: هل يعفي القاتل من عقوبة القتل ما دام يدعي أن تصرفه كان متفقاً مع متطلبات التقوى؟ إن نتائج المواجهة في دكا لابد أن تقدم الحل لمعضلة بنجلاديش، وقد يتردد صدى الآثار المترتبة عليها بعيداً وعلى نطاق واسع.
* شاشي ثارور وزير الدولة لتنمية الموارد البشرية في الهند. وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان «السلام الهندي: الهند وعالم القرن الحادي والعشرين».
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
www.project-syndicate.org


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.