أمضيت ساعات ممتعة في قراءة السيرة الذاتية للأستاذ الكبير الشاعر عبدالله بن إدريس «قافية الحياة»، وكنت منذ زمن أتطلع إلى صدور هذا الكتاب الذي يروي فيه الأستاذ ابن إدريس مسيرته الطويلة والناجحة في دروب الحياة والأدب والشعر والصحافة والتعليم وخدمة المجتمع. وقد سعدت في مساء الأحد 21 ربيع الأول من هذا العام بحضور حفل تدشين الكتاب الذي حضره عددٌ كبير من مثقفي المملكة، وبعضهم حضر من خارج الرياض، بمن فيهم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة ووزير الثقافة والإعلام السابق الأستاذ إياد مدني وبعض رواد الثقافة في بلادنا مثل الأديب والشاعر والصحفي الريادي سعد البواردي، وغيرهم. كنت أعتقد أنني أعرف الكثير عن عبدالله بن إدريس، فقد كنت أتابع ما يكتبه في الصحافة من مقالات وأشعار، وكنت أقرأ عن أنشطة نادي الرياض الأدبي الذي كان الأستاذ عبدالله رئيساً له لمدة طويلة، كما أنني أعرف عن ريادته من خلال كتابه الشهير المفصلي «شعراء نجد المعاصرون»، لكنني اكتشفت وأنا أقرأ «قافية الحياة» أنني لم أكن أعرف عن هذه القامة الثقافية السامقة إلا القليل. وقد تأكدتُ، مرة أخرى، من ضرورة وأهمية أن يقوم جميع الرواد والفاعلين في جميع المجالات بكتابة أو إملاء مذكراتهم وسيرهم الذاتية لأن ما يعرفه الناس يظل أقل بكثير مما ينبغي، كما أن مذكراتهم وسيرهم الذاتية هي تاريخ لمجتمع ووطن وليس لأفراد فقط. يبدأ جمالُ هذا الكتاب من عنوانه «قافية الحياة»، فهو عنوانٌ يليق بسيرة شاعر مبدع. وإذا كنا قد تعودنا في استخداماتنا الكتابية على تعبيرات مثل «قافلة الحياة» عند وصف الرحلة الحياتية لإنسانٍ ما، فإن الشاعر ابن إدريس قد اختار تعبيراً أكثر دقة وكثافة وشاعرية عندما أطلق على كتاب سيرته الذاتية «قافية الحياة»، فكأنما سيرته هي قصيدة بدأ صدرُ بيتها الأول في بلدته الصغيرة «حرمة» في إقليم سدير، وامتدت تتوالى أبياتها عبر رحلة حياتية ثرية تعج بالمواقف وبالمحطات الكفاحية. يقف القارئ أمام محطات عديدة لا يتسع المجال هنا لاستعراض حتى القليل منها، لكنني أعتقد أن العامل المشترك الذي يربط بين هذه المحطات هو الرغبة الجارفة والملحة للإصلاح وتقدم المجتمع، يُضاف إلى ذلك موهبة أدبية مبكرة ووعي اجتماعي وثقافي متقدم عن السياق الزمني والمكاني. تأثرت وتفاعلت كثيراً مع ما رواه الأستاذ ابن إدريس عن قصة إقالة الأستاذ حمد الجاسر رحمه الله من وظيفته كمساعد للمدير العام للكليات والمعاهد وسحب «اليمامة» منه في زمن صحافة الأفراد و»إعطائها» للأستاذ ابن إدريس الذي رفضها بشكل قاطع لأنها، كما قال لمن فاتحه بذلك، «مُلك حمد الجاسر كمُلكي لمشلحي الذي على ظهري»، وكذلك لأن «حمد الجاسر أستاذي، وليس من المروءة أن أقبل أخذ حق أستاذي بوجه غير شرعي»؛ والقصة مفصلة في الصفحات من 322 حتى 325 في كتاب «قافية الحياة» لمن يريد التفاصيل. أتمنى أن تخرج الى النور كتب أخرى كثيرة في السيرة والمذكرات بأقلام الرواد من أساتذتنا في جميع المجالات الثقافية والإدارية والحياتية. نحن بحاجة لمعرفة تاريخ بلادنا من خلال سِيَر ومذكرات الرواد، وشكراً للأستاذ ابن إدريس على «قافية الحياة» وعلى عطاءاته الثقافية الأخرى الكثيرة. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض