مُهلك جداً أن يأخذَ الموت من وراء ظهورنا مسارًا لا مرئياً في الحياة.. ومهلكٌ أكثر.. أن تعلم أنك مع هرولة الساعات تبتعد عن ميلادك أكثر وتقترب من أن تموت أكثر فأكثر.. ومهلكٌ أكثر مما يجب.. أن تعي أنك لا تعيش على الرغم من أنك في طورِ الحياة..! أن تعي أنك تضحك الآن لأنك بكيت سابقًا.. أن تعي أنك تبكي الآن لأنك ضحكت بما فيه الكفاية.. أن تعي أنكَّ تحلم.. لأن النوم دليل على الحياة.. أن تعي أنكَّ تمشي.. لأن الحركة دليل على الحياة.. أن تعي أنكَّ ترقص.. لأن العَبث دليلٌ على الحياة..! أن تعي أنكَّ تصمت وتتحدث وتَمضغ.. وتقرأ وتكتب.. وتتعثّر.. وتُشاهد.. وتنعكف.. وتَتمدّد.. وتخطِئ وتُصوِّب.. وتُذنب وتتوب.. لأن هذا ما يفعله الأحياء.. عادة! ثم تعي بعدَ كل هذا.. تعي بعد فوات الأوان.. أنكَّ تفتقد الحياة في كلِّ هذا.. أنكَّ تعيش لمجرّد أنك اعتدتَ على أن تعيش.. لأنكَّ لم تُجرب أن تقبر نفسك ....و تموت...! ثم تشكّ.. فيك.. وتتساءل وأنتَ على شفا الجنون.. ما إن كنتَ على قيدِ الحياة.. ما إن كنتَ على قيدِ الوفاة.. ما إن كنت تنتمي لعدادِ الموتى.. ما إن كنت تنتمي لعدادِ الأحياء.. ما إن كنت حيّاً أقربُ إلى الموت... ما إن كنتَ ميّتًا أقربُ إلى الحياة.. تتساءل.. حيٌّ أنا فعلاً..؟ ما دليلي على الحياة إذن ! أحتاج دلائل أكثر قطعاً للشكّ.. لا أريد أن يُجيب الحمقى.. أقصد اللاروحانيين» حيٌّّ بالماء.. حيٌّ بالشهيقِ والزفير..! « و إن كنتُ ميتاً.. فما دليلي على الموت..؟ أكاد أجزم.. بأن الموت امتدَّ في صدري على هيئة حياة! وإلاّ.. فماذا تعني الخيبات؟ ماذا تعني الانكسارات؟ ماذا تعني الهزائم؟ ماذا تعني الغيابات؟ ماذا تعني الذكريات؟ ماذا تعني الأشواق؟ ماذا تعني الانتظارات؟ إلا الموت...! في الواقع... مهلكٌ أن يكون آخر ما تتذكره.. هو أكثر ما تتمنّاهُّ دائمًا.. و أن يكون أكثر ما تتمنّاه.. أبعدَ شيء يمكن أن تصل إليه.. و مهلكٌ أكثر أن تعي أن اللهو هو الحياة.. وأن الحياة ليست إلاّ وجهاً طائشًا للموت..! أن تعي أن السموّ هو الموت... وأن الموت ليس إلاّ الوجه الناضج والأكثر صدقًا للحياة.. مهلكٌ أن تعرف.. ومهلكٌ أن لا تعرف.. ومهلكٌ أكثر مما يجب أن تكتشف أنك نائم في الحدِّ الفاصل.. بين الحياة، والموت..!