أنت تقود سيارة ليست سيارتك، وعليك أن تتحمل مسؤولية تورطها في أي حادث، كما يتعين عليك مراقبة عداد الكيلومترات من حين إلى آخر حتى ولو كان رأسك مشحونا بمليون مشكلة، لأن تجاوز الكيلومترات المحددة يفرض عليك دفع المزيد من المال. أنت إذن مستأجر لسيارة. من الجانب الآخر، فإن قلب الموظف القابع خلف «كاونتر» محل التأجير وعقله وهاتفه يتابعون العديدين من المستأجرين الذين ينتشرون في أنحاء مدينة مثل مدينة الرياض تتمدد على مساحات شاسعة من الأرض، وغالبا ما ينتهي يوم العمل لهذا الموظف ب» خناقة» ما أو ربما مجرد مشادة مع مستأجر تأخر لبعض الوقت. إلى ذلك فإن من التبسيط المخل بالواقع وصف محل التأجير بأنه مجرد ماكينة تدر المال دون توقف، وأن الأمر لا يحتاج هنا إلا لفتح محل وشراء عدة سيارات لتأجيرها، ليتدفق المال من جيوب المستأجرين. زرنا أحد المحلات لرؤية كيف تسير الأمور. يقول حمدي صلاح، مصري الجنسية، ويعمل في المحل: «نجد صعوبة في التواصل مع العميل، فأحيانا يغلق جواله، ويتحجج بأسباب غير مبررة في تجاوز المدة المتفق عليها أو الكيلو مترات المحددة، وقد تحدث مهاترات، تصل أحيانا إلى مرحلة الشتم وغيره، وقد تتجاوز إلى الأمور الشخصية في أحيان كثيرة، لكن علينا تحمل كل ذلك من أجل لقمة العيش لا أكثر ولا أقل». ويحتج عبدالله سعيد، وهو ضابط في القوات الجوية وكان بصحبة ابنه: «هناك إجحاف بحق المستأجر، فلديه 100 كيلومتر، وإذا تجاوزها يتعين عليه أن يدفع 40 هللة مقابل كل كيلومتر اضافي». ويضيف بذات نبرة الاحتجاج: «إذا تأخر تسليم السيارة لمدة ساعة أو أقل يتم حساب يوم ايجار كامل، أما إذا ناقشت الموظف فإن الاجابة جاهزة لديه: هذا نظام وأنت وقعت عليه. وعندها تضطر لدفع المبلغ». وفي محل آخر يقر الموظف محمد سليمان ان العمل بالفعل مربح ويقول انه لا يرتبط بزمن معين من حيث الدخل والأرباح خصوصاً في منطقة الرياض: «في اليوم الواحد يتم تأجير من سيارة إلى سيارتين على الأقل، على حسب النوع، أما مبالغ التأجير فإنها متفاوتة من سيارة لأخرى وفقا للموديل والفئة». وبالنسبة للشروط يشير الى أنه لا بد للمستأجر من ابراز بطاقة العمل والهوية وكذلك رخصة القيادة سارية المفعول. وعن تحميل المخالفة المرورية للمستأجر من قبل (ساهر) يقول محمد: «هناك برنامج يسمى (العلم) ويتم الاشتراك فيه بدفع مبلغ معين، وبموجب هذا البرنامج فإن المستأجر يتحمل مسؤولية أي مخالفة على السيارة بمجرد تسجيل اسمه عليها خلال اجراءات التأجير، بينما يكون المحل في حل من أي مخالفة تصدر من العميل، وهذا هو المتبع في شركات تأجير السيارات». ويبدى حمد الراجحي امتعاضاً شديدا من تفاوت الأسعار من مكتب لآخر واصفا ذلك بأنه استغلال واضح لحاجة المواطن في الحصول على سيارة لقضاء أموره: «أبحث عن سيارة بسعر رمزي، وقد وجدت فرقا شاسعا بين المكاتب ، فمثلاً سيارة من نوع ( أنترا) يتم تأجيرها في أحد المحلات ب 85 ريالا بينما وجدتها في مكان آخر ب160 ريالا». ولم يكن محمد سليمان بعيدا. سألناه عن سر هذا التفاوت، فأجاب: «من المؤكد أن موديل السيارة الأولى قديم، وبالنسبة لنا فإن لدينا آخر الموديلات». هذا جانب من الصورة في تلك المحلات، ومن الواضح أن قليلا من التعامل الانساني الرفيع سيجعل الأمور سهلة لكافة الأطراف، فالذي يلجأ إلى التأجير في الغالب هو شخص غلبته الحيلة في الحصول على سيارة أو أن سيارته رهن الاصلاح، وهو في كل الأحوال محتاج لسيارة وإلا لما لجأ إلى هذا الخيار الذي يفرض عليه شروطا ليس من الصعب الوفاء بها لكن الظروف قد تجبره في بعض الأحيان على التأخر. ومن الجانب الآخر فإن صاحب المحل ينشد الربح ويتوقع أن يلتزم المستأجر بنصوص العقد، وفي كل الأحوال فإن العقد هو شريعة المتعاقدين إلا أن ذلك لا ينفي بأي حال أن يسعى كل طرف إلى تقدير ظروف الآخر .