لاحظت أن الدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- كان شديد الاهتمام بما يُكتب عنه، لكنه لم يكلف نفسه أبداً عناء الاحتفاظ بتلك الكتابات ما عدا الكتب والدراسات التي صدرت عنه، أو بعض القصاصات التي بقيت بين أوراقه ولم تَضِعْ في تنقله بين العديد من مدن العالم. وعرفت، من خلال نقاشات عديدة معه، أثناء عملي لسنوات معه- رحمه الله-، انه فَقَد الكثير من كتاباته التي نشرها باسمه الحقيقي أو بأسماء مستعارة، وخاصة في بداياته الكتابية في صحف البحرين ومصر وغيرهما. وكان الدكتور غازي يعتمد على ذاكرته الحادة في استدعاء الكثير من تفاصيل ما مر به من أحداث ووقائع ومعارك فكرية وأدبية. وكان في أواخر حياته قد بدأ يضاعف اهتمامه بشأن مكتبته الخاصة في منزله الجديد في البحرين، وكنت وقتها عضواً في مجلس الأمناء بمؤسسة الشيخ حمد الجاسر الخيرية التي ينبثق عنها مركز حمد الجاسر الثقافي، فتمنيت على الدكتور غازي أن يحتضن فكرة مماثلة يقوم بها مريدوه سواءً في السعودية أو البحرين لأن تأسيس مؤسسة ثقافية باسمه في حياته سيساعد على جمع تراث غازي القصيبي الذي هو أعرف به من غيره من الناس. لكنه لم يتحمس للفكرة، واعتبر أن مثل هذه الأمور متروكة للزمن، وأعتقد أن أشخاصاً آخرين ربما يكونون قد اقترحوا عليه مثل تلك الفكرة. وسمعت مؤخراً أن ابنه سهيل يبذل جهداً لتنفيذ مشروع يهتم بجمع تراث غازي القصيبي، ولو حدث هذا فسيكون إنجازاً هاما يُسعِد محبيه وقراءه ويخدم الثقافة المحلية والعربية. منذ يومين نشرت «الجزيرة» في صفحتها الأخيرة خبراً بعنوان «مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية تعيد ترميم منزل غازي القصيبي بعد شرائه وتقيم متحفا له في البحرين»، والمقصود هو منزل الدكتور غازي القصيبي القديم في المنامة. وجاء في الخبر أن المؤسسة (المسجلة في لبنان)، وهي مؤسسة خيرية عالمية، نسقت مع وزارة الثقافة في مملكة البحرين والوزيرة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة للقيام بهذا المشروع وذلك «لحفظ أعماله وتخليد ذكراه». هذا العمل الذي تضطلع به مؤسسة الوليد بن طلال الخيرية العالمية هو إسهام ثقافي رائع ومبادرة حضارية تُسجل للمؤسسة. فمثل غازي القصيبي جدير بأن يحظى بالاهتمام، ويجب ألا تتعرض أوراقه ومقتنياته للضياع، وأن تكون متاحة للباحثين والدارسين مثلما نرى في البلدان المتحضرة حيث يتم تحويل منازل عظمائهم إلى متاحف ومكتبات عامة. لعل من المفيد أن يحدث تنسيق مع أبناء وبنات المرحوم الدكتور غازي لمعرفة الخطوات التي قطعها مشروعهم لحفظ تراث والدهم. مثل هذا التنسيق بين مؤسسة الوليد بن طلال وأسرة غازي القصيبي سيوحد الجهود ويُسَرِّع في إنجاز المشروع الذي ينتظره مريدو وقراء الدكتور غازي القصيبي رحمه الله. [email protected]