دوروثي ليونار وستيفن لابيت ما الذي قد يدعو أي مؤسسة لإرساء نظام يحبط أهل الخبرة عن مشاركة معرفتهم البالغة الأهمية في مجال الأعمال؟ من الواضح أنه ما من قائد سيكون مستعداً للقيام بذلك بصورة طوعيّة. ولكن الأمر يحصل دائماً عندما تعاود الشركات تعيين متقاعدين في منصب مستشارين لأداء المهام ذاتها التي كانوا يُقدمون عليها سابقاً، مقابل راتب أعلى. وقبل العام 2008، كانت شركة «جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش» تمارس هذا الإجراء، فيتقاعد مهندس من المؤسسة، وينتظر فترة الأشهر الستة الإلزامية، ومن ثمّ يتلقّى اتصالاً من مدير سابق يعرض عليه العودة إلى العمل. وكان أجر الاستشارات ذات الصلة، مرفقاً بالراتب التقاعدي للموظف السابق، يدر دخلاً لا يختلف كثيراً عن راتب شخص في المرحلة السابقة للتقاعد، ولكن مقابل ساعات عمل أقل. وفي أقسام الموارد البشرية في أرجاء «جنرال إلكتريك» وخلف حدودها، كان هذا السيناريو طبيعياً. فأين الخلل إذاً في هذه الصورة؟ أولاً، توقّع تحليل داخلي في «جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش» موجة عارمة من حالات التقاعد على المستويين التقنيين الأعلى ما بين العامين 2008 و2013. وعنى ذلك أن إحدى الممارسات المكلفة قد تصبح باهظة الثمن إلى حدّ يعيق التصرّف. والأسوأ أن اتفاقات التعيين صُمّمت فقط لضمان استمرارية مشروع، وليس لحفظ المعرفة أو نقلها. ومن المؤكّد طبعاً أنّ المعرفة الكامنة في رأس كلّ الموظفين الراحلين ليست قيّمة. ولكن في «جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش» وفي عدد من الشركات الأخرى، كان ولا يزال عدد متزايد من الموظفين الأكبر سناً يأخذون معهم كماً كبيراً من المعرفة البالغة الأهمية للأعمال عند رحيلهم عن الشركة. وقد يسدد الأمر ضربة قاسية للميزة التنافسية. وشاءت سخرية القدر أن يكون التباطؤ الاقتصادي في العام 2008 قد منح «جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش» فرصة للتغيّر. وفي ظل جهودها لخفض التكاليف، منعت المؤسسة معاودة تعيين المتقاعدين في العام 2009. وتلت الأمر احتجاجات، ولكن الإدارة وقسم الموارد البشرية تمكّنا في النهاية من مواجهة واقع مرير يفيد بأنهما كانا يساعدان ويحرّضان على نشوء دوامة من الاعتماد على القدرات وخسارة المعرفة. ولبعض الوقت، ما حصل هو أن أشخاصاً افتُرض أن يتقاعدوا بقوا ببساطة لفترة أطول مما خططوا في مناصبهم، مع العلم بأن الإيقاف المؤقت للمغادرات سمح للمؤسسة بإعادة رسم معالم بعض ممارساتها. وأطلقت الشركة مبادرة هامة تقوم على تقاسم المعرفة، وأرست برنامج تقاعد على مراحل. ولا تزال «جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش» تضم عدداً قليلاً من المتقاعدين العائدين، ولكن أحد شروط عودتهم تمثّل بموافقتهم على تعليم الآخرين، أو على مساهمتهم في صقل المهارات الطويلة الأمد للأشخاص الذين سيخلفونهم. ومن الضروري أن تبذل الشركات جهوداً أكبر للتأكّد من أن المتقاعدين سينقلون معرفتهم القيّمة. وإلى أن يزيد عدد المُقبلين على ذلك، ستواصل الشركات تقويض مهاراتها الخاصة على الأمد الطويل. (دوروثي ليونارد أستاذة فخرية لإدارة الأعمال في كلية «هارفارد» للأعمال، ومشاركة في تأليف كتاب ديب سمارتس Deep Smarts. أما ستيفن لابيت، فمدير للتعويض وتطوير القيادة في جنرال إلكتريك غلوبال ريسرتش