تريثت قليلا قبل أن أكتب عن الحوار في اليمن منذ انطلق أو من قبل انطلاقته في الثامن عشر من شهر مارس الحالي وذلك نظراً لتعقد وتشابك القضايا المطروحة على الحوار وذهاب كثير حتى من المتفائلين إلى القول إن الحوار سيتفجر منذ جلسته الأولى ولذا أثرت التريث بينما تظهر بعض المؤشرات التي يمكن البناء عليها في استقراء مستقبل الحوار وماذا يمكن أن يفضي إليه. وقبل الخوض في مجريات الحوار نؤكد من باب نسبة الحق لأهله أنه لولا المبادرة الخليجية ولولا حكمة خادم الحرمين وجهوده في دعوة أطراف الحياة السياسية إلى الرياض للتوقيع على هذه المبادرة لما كان اليمنيون يصلون إلى الحوار بل ولعز الحوار بينما بدائل الحوار هي العنف الذي يفتك بكثير ممن حولنا وسيظل اليمنيون يذكرون بكل امتنان موقف أشقائهم الخليجيين وعلى رأسهم المملكة الذين ساعدوهم على تجاوز منزلقات خطيرة ربما كانت الحرب الأهلية إحدى هذه المنزلقات. واليوم وقد التأم شمل اليمنيين والتفوا حول مائدة الحوار لن نذهب في التفاؤل بعيدا فهناك العديد من التحديات الماثلة التي تهدد بنسف الحوار أو في جعل مخرجاته أقل من هزيلة في أحسن الأحوال. بداية ومن خلال الأجواء التي صاحبت الحوار منذ أيامه الأولى وعلى مشارف انعقاده تبدو أكثر الأمور حساسية هي عدم إجماع كل القوى والأطراف على قوام الحوار والمشاركين فيه سواء من القابلين بالحوار أو من الرافضين له مثل أطراف بالحراك الجنوبي وتهميش قطاعات أساسية مثل المغتربين الذين لم يمثلوا بالحوار رغم تعدادهم الهائل وقضاياهم المزمنة والمتعددة وتوزعهم على خارطة الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها وشكوى الشباب وخاصة الذين خاضوا غمار التغيير وقادوا عملية الاحتجاج من أن تمثيلهم كان شكليا وديكوريا إلى جانب إغفال عديد من الأحزاب الناشئة ومنظمات المجتمع المدني. وهذا التذمر وعدم الرضا لا يدور همسا بل عبرت عنه مسيرات ضخمة في الجنوب وانسحاب عدد من المحددين في قوام الحوار من بينهم الناشطة توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل وعدد من الشخصيات. وبعيدا عن الخوض قي هذا الجانب واعتباره شكليا وأن العبرة بنتائج الحوار ومخرجاته التي قد تقنع الجميع في حال كانت محققة لآمالهم بل نقول إن الحوار فرض كفاية بمن حضر ووفقا لما جاء في كلمة الرئيس عبد ربه منصور في افتتاح الحوار التي أكد فيها أن المتطلعين للمشاركة في الحوار أكثر من أن يتم استيعابهم مهما تم توسيع قوام الحوار. لكن بقراءة اللائحة الداخلية لمؤتمر الحوار وأجندة المتحاورين نضع أيدينا على مفاصل القضية ونشخص مشاكل اليمنيين منذ عقود مضت سواء قبل الوحدة أو ما استجد من مشاكل بعد الوحدة. قبل الوحدة كان الشماليون لم يتجاوزوا نهائيا آثار الحرب الأهلية التي أعقبت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واستمرت لثماني سنوات وبعد أن ألقت أوزارها بدأت رحلة البحث عن معادلة الدولة التي ستحكم اليمن كونهم لم يرثوا عن حكم الأئمة أي دولة أو تجربة إدارية وظلت هذه المحاولات تصطدم بالنفوذ القبيلي أحيانا وبعاملي التخلف والجهل اللذين كانا يصبغان الواقع وكانت أبرز محاولة لبناء الدولة قد بذلها إبراهيم الحمدي لتنتهي باغتياله. وعندما قامت الوحدة كان الاتفاق ظاهريا على الأخذ بأفضل ما في النظامين والتجربتين الشطريتين من إيجابيات لكن تم إضافة السلبيات إلى بعضها وتسابق الفريقان على التمسك بما لديهما لتنتهي الأمور بأزمات أدت إلى حرب 64 وأقصي الحزب الاشتراكي كشريك والجنوبيون أصبحوا مواطنين من درجة غير مصنفة. واليوم يدخل أطراف فاعلون في الحياة السياسية، الحوار وإن كان تمثيل الجنوبيين تأرجح بين تجاهل مراكز القوى السابقة وشباب الثورة المشاركين في التغيير وتم اختيار شخصيات قد تمثل ثقلها لكنها لا تتحكم بكل الشارع الجنوبي. من خلال الكلمات التي تم بثها تبين أن كل مكون من مكونات الحوار، لديه أجندة خاصة به عدا الشباب الذين هدفهم عام هو التغيير، لكن هناك تحالفات في طريقها للتشكل وخاصة بين الشباب والمشاركين في الحوار من الجنوبيين قد تكوّن فريقاً قوياً يناصر فكرة الدولة المدنية الحديثة ويناهض فكرة المركزية بطرح الفدرالية والنظام الاتحادي لإنصاف بعض المتذمرين من طغيان فئة معينة من أبناء اليمن على بقية الفئات. ويقف الرئيس عبد ربه منصور ومعه الدول الراعية للمبادرة الخليجية التي يمثل السيد جمال بن عمر حضوراً لافتاً كممثل عن هذه الدول من خلال تمثيله للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي ما زال حتى الآن يلعب دور مهندس الحوار ويبذل جهداً في رسم خارطة تقارب مشترك بين مكونات الحوار لكن السؤال الذي سيطرح نفسه ماذا لو لم يخرج الحوار بالنتائج التي يتوخاها الداعين إليه هل ستقف الدول الراعية للمبادرة الخليجية موقف المتفرج أم أنه سيكون هناك موقف حازم كعاقبة من سيعرقلون الحوار. وتأتي الإجابة على هذا السؤال أو التساؤل من خلال بيان مجلس الأمن الذي سبق أن أنذر الرئيس السابق ونائبه بعقوبات إذا لم يكفا عن وضع العراقيل في طريق التغيير في اليمن وسيكون الحوار مجهراً يكشف بجلاء كل المعرقلين لعملية التغيير في اليمن وبالتالي لن يكونوا بمأمن من العقوبات الدولية التي إن حدثت فسيكون انتقاماً من الله للشعب المغلوب على أمره. وثمة تساؤل آخر قد يهدد الحوار وهو الحضور اللافت لبقايا النظام السابق وحلفائه الذين يمثلون بأكثر من مائة وعشرين مقعداً في قوام المتحاورين البالغ خمسمائة وستة وخمسين فرداً. أبرز الأجندة المطروحة كمشاكل قضية الجنوب أولاً وقضية صعدة ثانياً وأبرز الحلول لهاتين القضيتين هو صياغة دستور يؤسس لدولة جديدة الملامح ويبين بجلاء شكل النظام السياسي وحقوق المواطن وواجباته بعد أن كان الدستور السابق غامضاً في مواده وتحتاج كل مادة منه إلى عشرات القوانين لتفسيرها وهنا يكمن الشيطان في التفاصيل حسب المقولة المشهورة. لكن ماذا عن موقف الشعب اليمني أو الأغلبية الصامتة في الشمال والجنوب من الحوار يستطيع المتابع أن يلمس تأييداً واسعاً للرئيس عبد ربه منصور كراع للحوار وتطلع الجميع إلى أن يخرج الحوار بما ينشدونه من أمن واستقرار بعد أن ملوا غياب الدولة أو فساد بنيتها لعقود وعانوا من الركود الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية والإخفاق في استغلال موارد البلد الواعد بالكثير من الثروات سواء النفط والغاز أو الزراعة والأسماك أو المعادن حتى. بقي علينا أن نقول إن ما يلوح في الأفق وبالذات من قبل بعض الجنوبيين المطالبين بالانفصال لا مستقبل له أو مستقبله كارثيا لأن العودة لن تكون إلى دولة واحدة في الجنوب ولكن ربما إلى ما قبل حكم الحزب الاشتراكي وهو 27 دويلة لن تكون على وفاق فيما بينها ناهيك عن الصراع الذي سيكون بين الشمال والجنوب كما كان قبل الوحدة إلى جانب الرغبة الأكيدة لدى دول الجوار اليمني في استقرار هذا الجزء الحيوي والهام من الوطن العربي بموقعه الإستراتيجي وبتطلعات المتربصين بالعرب شراً، إليه كل هذه عوامل تدعم مسألة وحدة اليمن واستقراره ولم يبق غير جهد المتحاورين على إظهار حرصهم على مصلحة بلادهم بمستوى حرص الآخرين عليهم إن لم يكن أكثر من ذلك وتجسيد الحكمة اليمانية بالخروج بهذه الفرصة التاريخية بصياغة تجربة يمنية يحتذى بها وليكن الله في عون الرئيس عبد ربه منصور الذي تصدق عليه مقولة سلفه علي صالح أنه يجلس على رؤوس الثعابين.