يُؤكد المختصون في قضايا الإرهاب على تدني كُلفة العمليات الإرهابية المدمرة، فإحداث دمار واسع في المواقع المستهدفة قد لا يُكلف جماعات الإرهاب سوى عشرة آلاف دولار، كما حدث في عملية قطارات مدريد، وبعض العمليات الإرهابية الأخرى، إلا أن ذلك لا يعني تدني كُلفة الإنفاق الدائم على جماعات الإرهاب وتنظيمها، وتكوين الخلايا النائمة ودعمها لوجستياً. تجنيد العناصر البشرية، وتشكيل جماعات الإرهاب يحتاج إلى أموال طائلة، وموازنات ضخمة وجهود استخباراتية كفؤة، وإنفاق مستمر، إضافة إلى ما تحتاجه الخطط الإستراتيجية المكملة من أموال لإحداث التغيير الإستراتيجي على أرض الواقع، وشراء الذمم، وحشد المؤيدين. هناك فارق بين العمليات الإرهابية الميدانية الأُحادية، والعمليات الإستراتيجية الاستخباراتية الدائمة، والتي يُهدف من خلالها إحداث تغيير إستراتيجي بعيد المدى يُمهد طُرق السيطرة والإدارة من داخل الدول المُستَهدَفة، كما حدث من سيطرة إيرانية في العراق ولبنان. في الخليج، إضافة إلى بعض الدول العربية، تسعى إيران جاهدة لاستنساخ مخططها الإستراتيجي في لبنان للوصول إلى هدف السيطرة الكلية، وتحقيق التبعية الشاملة للدولة الصفوية المارقة، وفق مخطط شامل تنخرط فيه دول أخرى، تُظهر لإيران العداء، وتُبطن لها الوفاء والدعم. تعتمد إيران على الدعم الاقتصادي كأداة من أدوات تغلغلها السياسي والجانب العقدي كوسيلة لحصولها على أموال التابعين، ولتوثيق التبعية الطائفية لتحقيق أهدافها السُلطوية والسياسية. تبنت إيران، مؤخراً دعم الحكومة المصرية اقتصادياً من خلال ما أطلقت عليه «السياحة الدينية»، وضمان إرسال الوفود السياحية بانتظام، وهي حيلة طبّقتها إيران بنجاح في بعض دول الخليج، تتشكّل غالبية جيوش وفود السياحة الدينية من أفراد الحرس الثوري الذين يغدقون الأموال على مُضَيفيهم، ويعقدون معهم الصفقات التجارية والإيوائية، لكسب التبعية والولاء، وينشطون في تجنيد جماعات الإرهاب وتكوين الخلايا النائمة، وشراء الذمم، وإحداث تغيير اجتماعي يُؤسس، مع مرور الأيام، لقاعدة الانتماء الصفوي. قد لا يُطلق أعضاء الحرس الثوري رصاصة واحدة خلال تواجدهم في مصر، إلا أن إحداث التغيير في المجتمع المدني، والسيطرة على الأحزاب السياسية بذريعة الدعم المالي، وخلق ولاءات في الطبقة السياسية، المالية، والدينية يُمكن أن يتسبب في إحداث أضرار موجعة يفوق حجمها حجم الأضرار الناجمة عن عمليات التفجير والقتل والدمار. نجح التمويل الإيراني للجماعات الموالية في السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الخليجية المهمة التي لم تكن يوماً امتداداً للنفوذ الصفوي الداخلي، إلا أن التخطيط الإستراتيجي والدعم المالي ساعدا على جمع مساحات كبيرة من الأراضي، وفي مواقع متفرقة بقصد التغيير الديموغرافي مستقبلاً، وإنجاح المخطط الصفوي الشامل الذي لا يقوم على التخريب فحسب، بل يستغله في دفع الخطط الإستراتيجية الاستخباراتية قدماً، ومنها مخطط السيطرة والانتشار والتأثير المستقبلي في العمليات الانتخابية بما يضمن وصول الموالين للمقاعد النيابية والمراكز الحساسة. مخطط إيران أكبر من العمليات الإرهابية العابرة، فجهدها الأكبر يظهر في المجتمع المدني، ومضيها في السيطرة على مفاصله الاقتصادية، السياسية، الأمنية، والاجتماعية من خلال المال، والترهيب والترغيب، وقبل كل ذلك باستغلال الجانب العقدي الذي يُعتبر الميثاق الأكبر الذي تخضع بموجبه الجماعات الموالية لأوامر ونواهي الولي الفقيه في إيران. مجلس وزراء الداخلية العرب، المُنعقد في الرياض، جدد «إدانته الثابتة للإرهاب مهما كانت أشكاله أو مصادرة» وهذا أمر جيد، إلا أن خطر الإرهاب الحقيقي مصدره إيران، التي تحظى بعلاقات جيدة مع بعض الدول العربية، والخليجية أيضاً، ما ساعدها على تنفيذ مخططها الإستراتيجي في المنطقة. الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية، ذكر بأن «القاعدة إلى زوال» وهذا صحيح بفضل الله ثم بجهود وزارة الداخلية، وبرغم زوالها المرتقب، أحسب أن القاعدة لا تعدو أن تكون أداة من أدوات التغيير المتعددة التي صنعها الغرب ووضعها في أيدي الصفويين الذين يعبثون في أمن الخليج، والدول العربية، والإسلامية. نشطت مؤخراً الجماعات المُستنسخة من رحم القاعدة في الجانبين السياسي والمدني، وهناك شكوك تدور حول نشاطها في القطاع الرياضي، في الوقت الذي تمددت فيه الجماعات الصفوية في معظم مساحات الدول الخليجية تملُّكاً ونفوذاً وانتشاراً، انتظاراً ليوم الحسم الذي أرجو الله ألا يُريَهُم نهاره. المال الإيراني السخي، الحرس الثوري، حزب الله، الموالون الصفويون، الغفلة العربية، المكر الغربي، والشحن الطائفي.. كل ذلك يُؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار الدول الخليجية، الذي أعتبره المجلس جزءاً لا يتجزأ من «الأمن العربي» الذي يشكو، أصلاً، التدخل المزدوج، الصفوي الغربي، الداعم لإعادة رسم خريطة جديدة لحدوده الجغرافية وأنظمته السياسية. عوداً على بدء، فتمويل جماعات الإرهاب القاعدية والصفوية، ربما كان أُحادي المصدر، والتوجيه.. خلال العشر سنوات الماضية نشطت القاعدة بعملياتها الإرهابية، التي أشغلت الجميع عن التخطيط الإستراتيجي، وأرغمتهم على تبني سياسة ردود الأفعال لإطفاء نيران القاعدة، فكانت الغطاء الأكبر والأهم، لتمدد الجماعات الصفوية التي أزعم أنها أول الخطر وآخره، وهي المُحرك الحقيقي والداعم الرئيس لزعماء القاعدة الذين وجدوا في التطرف الديني مدخلاً لتجنيد الشباب والسيطرة عليهم واستخدامهم أداة لتدمير الوطن من الداخل، تحقيقاً لمصالح خارجية. [email protected]